كتاب شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية

يَكُونَ شَيْطَانًا زِنْدِيقًا، أَوْ زُوكَارِيًّا (¬1) مُتَحَيِّلًا، أَوْ مَجْنُونًا مَعْذُورًا! فَكَيْفَ يُفَضَّلُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، الْمُتَّبِعِينَ لِرَسُولِهِ؟! أَوْ يُسَاوَى بِهِ؟! وَلَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَّبِعًا فِي الْبَاطِنِ [وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لِلِاتِّبَاعِ فِي الظَّاهِرِ] (¬2)؟ فَإِنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا، بَلِ الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: إِنَّ صَاحِبَنَا اللَّيْثَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَصَّرَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلْ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَاب (¬3).
وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " اطَّلَعْتُ عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْبُلْهَ " فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ (¬4)، فَإِنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا خُلِقَتْ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ أَرْشَدَتْهُمْ عُقُولُهُمْ وَأَلْبَابُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَوْصَافِهِمْ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوْصَافِهِمُ الْبَلَهَ، الَّذِي هُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ» (¬5). وَلَمْ يَقُلِ الْبُلْهَ!.
وَالطَّائِفَةُ الْمُلَامِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يُلَامُونَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ نَحْنُ
¬__________
(¬1) هذه لفظة مولدة. وفي شرح القاموس 3: 240 «الزواكرة: من يتلبس فيظهر النسك والعبادة، ويبطن الفسق والفساد. نقله المقري في نفح الطيب»
(¬2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من سائر النسخ. ن
(¬3) هكذا وردت القصة في الأصل. وانظر القصة في تفسير ابن كثير 1/ 80. ن
(¬4) ذكره العجلوني في كشف الخفا 2: 164، بلفظ: «أكثر أهل الجنة البله». ومجموع ما قيل فيه: أنه لا أصل له
(¬5) رواه أحمد والشيخان، من حديث ابن عباس - ورواه البخاري والترمذي، من حديث عمران بن حصين. وانظر كشف الخفا 2: 139

الصفحة 523