كتاب شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية

قَرِينَةُ حَالِ السَّائِلِ، كَقَوْلِهِ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ».
وَأَمَّا مَنْ شَرَّعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ أُصُولَهُ الْمُسْتَلْزِمَةَ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُولَةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ هُوَ بَاطِلٌ، وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ، كَمَا أَنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ.
وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ " - قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} (¬1). وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (¬2).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَذَا وَكَذَا؟! لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (¬3). وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ: سَأَلُوا عَنْ عِبَادَتِهِ فِي السِّرِّ، فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا (¬4).
وَذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ،
¬__________
(¬1) الْمَائِدَةِ: 77
(¬2) الْمَائِدَةِ: 87 - 88
(¬3) مسلم 1: 394. ورواه البخاري أطول قليلا 9: 89 - 90. ورواه أيضا ابن حبان في صحيحه، رقم 13 بتحقيقنا. وكذلك رواه أحمد في المسند: 13568، 13763، 14090 - كلهم من حديث أنس بن مالك. وقد وهم الحافظ ابن كثير، فذكره في التفسير 3: 214، فذكر أنه «في الصحيحين عن عائشة»! وقلده في وهمه تلميذه الشارح، هنا. وما وجدته من حديث عائشة قط، لا في الصحيحين ولا في غيرهما، ما استطعت
(¬4) بل هذه بمعناها في صحيح البخاري في هذا الحديث

الصفحة 535