كتاب المحاضرة الدفاعيةعن السنة المحمدية

حول الآيات التي لبس بها (محمود) في بعض محاضراته وأرجو أن يكون قد زال الإشكال وظهر وجه الحق ولننتقل إلى الأحاديث.
الحديث الأول:
" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " 1
يزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام عند رجوعه من بعض غزواته وهذا الحديث قد ضعفه غير واحد من أهل العلم من حيث السند، وهو غير صحيح من حيث المعنى أيضا وكل من علم مكانة الجهاد في سبيل الله وأجر من استشهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله الذين هم {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} يدرك تماما أن البون شاسع بين هذا الجهاد الذي هذه مكانته وبين الجهاد الثاني الذي هو مخالفة الهوى وحمل النفس على الطاعة، مع العلم أن من قام بجهاد الكفار وخاض المعركة لإعلاء كلمة الله فقد جمع بين الجهادين والأمر واضح ولا حاجة إلى الإطالة.
الحديث الثاني:
" حسنات الأبرار سيئات المقربين" 2وقد ذكرت في بعض مواقفي- مع صاحبنا أن هذا الكلام ليس بقول الرسول قد ولا قوة صحابي ولا تابعي، بل هو قول أبى سعيد الخراز- أحد الصوفية- كفى الله المسلمين شرهم. كما ذكرت أنه غير صحيح من حيث المعنى إذ لا يعقل أبدا أن تنقلب حسنة من الحسنات التي يثاب عليها زيد من الناس وهو في درجة الأبرار- سيئة في حق عمرو- وهو من المقربين- وقد حاول صاحبنا أن يجد لهذه القاعدة الخرازية مثالا في الشريعة، وأنى له ذلك؟ وقال بعد أن فكر طويلا- إلا أنه تفكير غير موفق: لو تصدق إنسان بصدقة سرية لم يطلع عليه أحد ثم حدثته نفسه، وأعجب بنفسه يكون هذا العمل حسنة بالنسبة لهذا الإنسان إلا أنه يعد سيئة إذا ارتفع إلى درجة المقربين لما دخل فيه من الإعجاب بالنفس
هذا ملخص كلامه في محاولته وهى محاولة فاشلة كما ترون. والجواب عنها: إن كان لابد من الجواب أن يقال الصدقة حسنة في حق كل واحد من الأبرار والمقربين، والعجب سيئة في حق كل واحد منهما ولا إشكال في الموضوع وبالله التوفيق.
الحديث الثالث:
" أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي فسئل عنه فقال هو الرياء " 3 ذكر صاحبنا أول هذا الحديث وسكت عن آخره، لأنه لا يتفق مع مراده وهكذا يفعل كل مغرض وصاحب هوى مع النصوص. ثم جعل يفسره على هواه بأن قال (المراد بالشرك الخفي أن يرى الإنسان نفسه) وقد علمنا المعنى الصحيح للشرك الخفي من نفس الحديث مع أن لفظ الحديث (الشرك الأصغر) لا (الشرك الخفي) ولله الحمد والمنة.
الحديث الرابع:
(الظواهر والباطن) جاء ذكر هذين الاسمين العظيمين في الكتاب العزيز كما جاء ذكرهما في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرا ما يكرر صاحبنا هذين الاسمين ظنا منه أنهما يدلان على أن للشريعة ظاهرا وباطنا تقليدا لبعض الصوفية الذين يذكرون الحديث بتمامه بما فيه تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للاسمين الشريفين
__________
1 أورده العجلونى في الكشف 434/1 وقال: قال الحافظ حجر فى تسديد القوس هو مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عيلة أهـ.
2 أورده العحلونى فى الكشف.357/1 وقال هو من كلام أبى سعيد الخراز كما رواه ابن عساكر في ترجمته وهو من كبار الصوفية مات سنة 280 هـ
3 أخرجه أحمد في مسنده 30/3 من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وكذا من هذا الوجه ابن ماجه في السنن الزهد (21) بإسناد لا بأس به

الصفحة 11