كتاب يثرب قبل الإسلام
100 ...
لم يرض السادن بهذا الفعل من مالك، فاستعدى عليه إلهه، ورفع يديه وقال:
يا رب إن مالك بن كلثوم ... أخضرك اليوم بناب علكوم
وكنت قبل اليوم غير مغشوم
وكان السادن يحرض إلهه على مالك بذلك الشعر.
يقول ابن الكلبي: وعدي بن حاتم يومئذٍ قد عثر عنده، وجلس هو ونفر معه يتحدثون بما صنع مالك، وفزع لذلك عدي بن حاتم، وقال:
أنظروا ما يصيبه في يومه هذا، فمضت له أيام لم يصبه شيء.
فرفض عدي عبادته وعبادة الأصنام، وتنصر، فلم يزل متنصراً حتى جاء الله بالإسلام فأسلم فكان مالك أول من أخفره، وكان بعد ذلك السادن إذا أطرد طريدة أخذت منه (1).
هؤلاء أناس من العرب، تمردوا على آلهتهم، وأخفروا حرمتها، ولكنهم -كما نرى- نفر قليل، لا يعتبرون شيئاً إلى جوار هذه الكثرة الهائلة من العرب الذين خضعوا لها، ودانوا بامتثال أمرها، والنزول على مشورتها. والقرآن الكريم يحكي رأي الكثرة الغالبة منهم، بعد أن ذهبوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطلب منهم أن ينبذوا آلهتهم، ويعبدوا الله وحده، فانصرفوا قائلين: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن هذا لشيء عجاب) (2) وراح بعضهم يوصي بعضاً بالصبر والثبات على عبادة الآلهة (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم، إن هذا لشيء يراد) (3).
ويذكر ابن الكلبي شدة حرصهم على عبادة هذه الآلهة، وتمسكهم بها فيقول: (مرض أبو أحيحة - وهو سعيد ابن العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف - مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه أبو لهب يعوده، فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا ابا أحيحة؟ أمن الموت تبكي ولا بدَ منه؟.
...
__________
(1) الأصنام، ص 61.
(2) ص: 5.
(3) ص: 6.
الصفحة 100
224