كتاب يثرب قبل الإسلام

103 ...
منطقهم مع كل رسول جاءهم بالتوحيد، وندد بالوثنية والوثنيين، (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها:
إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون) (1).
وكثيراً ما يخلو الإنسان بنفسه ليفاجأ بها تهوي إلى وادٍ سحيق ويراها وهي تتردى فيحاول إنقاذها، ويتوقد ذكاؤه ويلمس بفطنته ما هو عليه من خطأ، فيعجل بإصلاحه، ويسرع في سلوك الصراط المستقيم.
وإننا في الجاهلية لنرى نماذج - وإن كانت قليلة - تمثل هذا الإتجاه، وتقرر تلك الحقيقة، ومن أمثال هؤلاء: ورقة بن نوفل، قس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيس، كما نرى ذلك واضحاً بعد مجيء الإسلام، ورغم المعارضة العنيفة التي لقيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القوم، إلا أننا وجدنا نماذج رائعة من هذا الطراز، بقدر تعصبهم للوثنية كان تعصبهم للإسلام، وبقدر شدنهم على المسلمين الأولين، كانت قسوتهم على المشركين والملحدين، وليس هناك فرق بين الحالين، إلا لحظة وضوح رأى فيها هؤلاء العباقرة بطلان ما هم عليه، ووجود الحق عند غيرهم، فهرعوا إليه.
ويمثل هذه الطبقة: عمر بن الخطاب، عمرو بن العاص، وخالد ابن الوليد - رضوان الله عليهم أجمعين - وإننا لنرى وضوح الخطأ في أذهانهم باتجاههم إلى الصواب، ترجموه عملياً بدخولهم في الإسلام، ثم ترجمه خالد بن الوليد بقوله وهو يهدم العزى ويحرقها على رؤوس عابديها.
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك (2)
وكما عبر خالد بن الوليد -رضي الله عنه -عن عقيدته وأعلن كفره بالعزى، رأينا قبله زيد بن عمر بن نفيل في الجاهلية يعلن كفره بالأصنام جميعاً، ويعتذر عن فترة دينونته لها بأنه كان صغير العقل فيقول:
تركت اللات والعزى جميعاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور ...
__________
(1) الزخرف: 23.
(2) الأصنام: ص 26.

الصفحة 103