كتاب يثرب قبل الإسلام

109 ...
باعت السيارة المختطفة فيميون لأحد أشراف نجران، وباعت صالحاً لرجل آخر، وقد خصص سيد فيميون له بيتاً يسكنه، فكان إذا قام في الليل يصلي ويعبد الله آضاء الله له البيت من غير سراج، فرأى ذلك سيده فعجب لأمره، فسأله عن دينه، فأخبره فيميون بدينه، ثم قال له:
إن الذي أنتم عليه باطل، وإن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع، وإذا دعوت عليها إلهي الذي أعبده - وهو الله وحده لا شريك له - أهلكها، فقال له سيده: فافعل، فإن كنت صادقاً دخلنا في دينك.
فقام فيميون، فتطهر وصلى، ودعا الله - عز وجل - فأرسل عليها ريحاً فاقتلعتها من جذورها والقتها.
ورأى ذلك أهل نجران فآمنوا بدينه، فحملهم على الشريعة التي جاء بها عيسى بن مريم - عليه السلام (1).
وهكذا دخلت النصرانية جزيرة العرب، واستقرت في الجنوب في بلاد نجران.
ونحن نلاحظ أن النصرانية انتشرت في نجران على يد فيميون وصاحبه، واعتنقها سكان البلاد من غير تبشير ولا إغراء، ولم يكن لدى فيميون مشاف يعالج فيها المرضى، ولا مدارس يعلم فيها الأطفال ولا أموال يغري بها البسطاء الفقراء، ولكنه كان ذا إيمان عميق، وصلة بالله لا تنقطع، ويكفي أنه كان على الحق الذي لا يماري فيه أحد في زمانه، حيث لم يكن آنئذٍ دين صحيح غير النصرانية، والحق دائماً يعلو ولا يعلى عليه.
لهذا استجاب أهل نجران لقيميون عندما رأوا أنه على الحق، وهكذا الفطرة السليمة التي لم تتلون بألوان الحضارة ولم تتلوث بأدران المادية تخضع للحق عندما تراه، وتذعن له ولا تتردد في قبوله.
عبرت النصرانية الجزيرة العربية، واستقرت في جنوبها، ولكنها لم ...
__________
(1) ابن هشام (1/ 32 وما بعدها).

الصفحة 109