كتاب يثرب قبل الإسلام

110 ...
تترك الشمال خالياً، ل خلقت وراءه دولتين كبيرتين في شمال الجزيرة هما دولة المناذرة في الحيرة، على حدود فارس، ودولة الغساسنة على حدود الشام، كما كان لها معابد في وادي القرى (1).
ووجود النصرانية في وادي القرى كان له أثر كبير في اعتناق بعض الشخصيات المشهورة في يثرب لها، حيث أن وادي القرى من أعمال يثرب (2).
فمن هذه الشخصيات أبو قيس صرمة بن أبي أنس من بني النجار، فقد روى أصحاب السير أنه ترهب ولبس المسوح، وهجر الأوثان، واتخذ مكاناً للعبادة لا تدخله طامث ولا جنب، وقال: أعبد رب إبراهيم (3).
ومنهم أبو عامر عبد عمرو بن صيفي الأوسي المشهور بالراهب، وكان سيداً في الجاهلية وقد ترهب وليس المسوح (4). وإننا لنلاحظ سوراً في القرآن الكريم مدنية تعرضت لذكر عيسى - عليه السلام - وفندت رأي النصاري فيه، من أنه هو الله مرة، أو أنه ابن الله مرة أو أنه وأمه إلهان من دون الله إلى غير ذلك من شبه النصارى الباطلة التي تناولتها تلك السورة وإذا رجعنا إلى سورة النساء الآية (171) والمائدة في الآيات (17،72، 112 - 118) والتوبة الآية (30) لوجدنا عرضاً لتلك الشبهات ورداً حاسماً عليها مما يؤيد أنه كان في يثرب عند نزلوها أقوام يقولون بهذه الأباطيل ويعتقدونها.
وأياً كان الحال في يثرب بالنسبة لوجود النصارى فإنهم لم يكن لهم مركز ذو بال يلفت النظر، ويشعر بخطر يهدد الحياة، ويقلق أمن الناس كما هو الشأن في اليهود الذين عاشوا في يثرب في تلك الحقبة من الزمان.
والذي يظهر أن وضع النصارى في مكة كان أقوى منه في يثرب، فقد ...
__________
(1) فجر الإسلام: ص 25.
(2) معجم البلدان (4/ 878).
(3) مختصر سيرة الرسول: ص 50.
(4) نفس المصدر: ص 51.

الصفحة 110