كتاب يثرب قبل الإسلام

111 ...
ثبت أن جالية من النصارى كانت تسكن مكة ومنهم التجار والصناع والعمال، حتى عدت كتب السيرة بأن الكعبة منهم.
يقول الأستاذ الشريف: (وقد كان أثر النصرانية في مكة أكثر من أثر اليهودية، فإن بعض رجال مكة الذين تبرموا بالوثنية، وخرجوا عليها تنصروا، أمثال ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث) (1).
ونستطيع أن نقول بعد ذلك، إن النصرانية إن وجدت في يثرب وضواحيها واختلط بمعتنقيها التجار والرحالة من أهل يثرب، إلا أنها كانت في نفوس أصحابها، وكانوا هم راضين بهاديناً ومذهباً، فلم تحركهم لاحتلال مراكز سياسية فيها ولم تنزع بها إلى سيطرة اقتصادية على سكانها.
ولهذا لم يكن للنصرانية في يثرب جولات مع أهلها، ولم تذكر كتب السيرة، ولا كتب التاريخ شيئاً من نجاح النصارى مع اليثربيين كما هو الحال مع اليهود حيث تعرضت هذه الكتب نفسها لمؤامراتهم، وملئت صفحاتها بما كانوا يحيكون لأهل يثرب من الكيد وبما كانوا يكنون في نفوسهم لهم من الحقد.
3 - اليهودية
اليهودية هي الديانة التي جاء بها موسى بن عمران - عليه السلام - وقد دخلت هذهالديانة بلاد العرب من قديم الزمان على ما بيناه سابقاً في فصل السكان، وسواء صحت الرواية التي ذكرت أنهم دخلوها في عهد موسى - عليه السلام - أو صحت غيرها من الروايات، فإنه مما لا شك فيه أن اليهود سكنوا الجزيرة العربية، وكان لهم في جهاتها المختلفة سواء الشمال منها أو الجنوب أثر واضح في الحياة وقد انعكس أثرهم على حياة السكان الذين خالطوهم، وعاشوا معهم، وتلونت الحياة العامة بألوان لم يكن للعرب أن يعرفوها لولا مخالطة اليهود، وتأثيرهم.
...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 234.

الصفحة 111