كتاب يثرب قبل الإسلام

114 ...
بل هو أحد الحميريين، فذو نواس اليهودي هو (زرعة بن تبان أسعد الحميري) (1) ولهذا لم يكن عنده حرص اليهود على قصر الديانة على أنفسهم وحرمان غيرهم منها، فدفعه ذلك إلى إجبار الناس على اعتناق اليهودية أو قتلهم والتخلص منهم، وإقامة دولة يهودية في جنوب الجزيرة على أشلائهم.
لقد دخلت اليهودية إلى جنوب جزيرة العرب، واستقرت هناك فترة من الزمن، ودخلت في معارك ضارية مع خصمها اللدود العنيد - النصرانية - وقضت بوحشية تقشعر من تصورها الأبدان على النصرانية والنصارى وهي وإن لم تعمر طويلاً إلا أنها تركت آثاراً لا زالت عالقة بالأذهان لا يستطيع أحد مهما كان مكابراً أن ينكرها أو يتجاهلها.
وعاشت اليهودية في شمال الجزيرة - في تيماء وفدك وخيبر ووادي القرى ويثرب - ولكنها لم تقم دولة بالشكل الذي اصطلح عليه المؤرخون، بل عاش اليهود إلى جوار العرب السكان الأصليين، وكانوا متميزين عنهم بعادات وتقاليد ورثوها عن آبائهم، ونقلوها معهم إلى بدلا العرب في اثناء هجراتهم إليها.
فكانوا يعظمون السبت فلا يصطادون فيه ولا يمسون فيه ناراً ولا يباشرون فيه عملاً ما من أعمال المعاش الدنيوي، يقول الدكتور شلبي:
(ولم يكن عند اليهود خطيئة أعظم من عدم حفظ يوم السبت إلا عبادة الأوثان) (2).
وقد ذكرت الكتب المقدسة يوم السبت، وأمرت بتعظيمه: تعظمون السبت، لأنه مقدس لكم، من دنسه يقتل قتلاً، إن كل من صنع فيه عملاً تقطع تلك النفس من بين شعبها، ستة أيام يصنع عمل، أما اليوم السابع ففيه ...
__________
(1) المفصل (3/ 458).
(2) مقارنة الأديان: اليهودية، ص 308.

الصفحة 114