كتاب يثرب قبل الإسلام

118 ...
أطوار حياتهم المختلفة، ولم تستطع اليهودية كدين أن تستل من نفوسهم تلك الرذائل، ولا أن تهذب أخلاقهم حتى يتلاءموا مع المجتمعات التي يعيشون فيها، ويخالطون أهلها، فكانوا كذلك في مصر فإن أسفارهم تروي قصة احتيالهم على المصريين وأخذ حلي النساء من ذهب وفضة على أنها عارية يردونها إليهم، ثم يهربون بها، ولا يردونها إلى أصحابها.
والملاحظ هنا أن بن إسرائيل حددوا لتلك الحيلة ليلة خروجهم من مصر حتى لا يتمكن المصريون من مطالبتهم بها واستردادها من المحتالين، ووهذا مما يؤكد تأصل خلق الغدر والخيانة في تلك الطائفة حتى ورثها عنهم أبناؤهم وحفدتهم، ولم يسطيعوا التخلص منها حتى الآن.
يقول الأستاذ محمد عزوة دروزة: (ويلفت النظر بخاصة إلى خبر سلب بني إسرائيل أمتعة جيرانهم الذهبية والفضية بحيلة الإستعارة مع أنهم على ما يفيده السياق لم يكونوا أعداء لهم، وقد أقبل الجيران على إعارتهم ما طلبوه بطمأنينة ورضى، وقد نسب السياق الأمر وتيسيره إلى الله - تعالى وتنزه-.
ثم يقول: ومهما يكن من أمر فإن تسجيل الخبر بهذا الأسلوب يدل على ما كان وظل يتحكم في نفوس بني إسرائيل من فكرة استحلال أموال غيرهم وسلبها بأية وسيلة، ولو لم تكن حالة عداء وحرب ودفاع عن النفس، كما أنه كان ذا أثر شديد فيما هو المتبادر في ثبوت هذا الخلق العجيب في ذراريهم ثم في من دخل في دينهم من غير جنسهم) (1).
وكما كانت هذه أخلاقهم مع المصريين كانت كذلك مع الكنعانيين سكان فلسطين، فإنهم ما كادوا يعبرون البحر مع موسى- عليه السلام - وبعد انتهاء فترة التيه حاولوا دخول فلسطين، ولكن الكنعانيين توجسوا منهم خيفة فحالوا بينهم وبين دخولها، ولكنهم بقيادة يوشع بن نون، عبروا نهر الأردن، ودخلوا أريحا خلسة وغدروا بأهلها وأعملوا فيهم القتل والذبح حتى أفنوهم، ولم ...
__________
(1) تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، ص 67 - 68.

الصفحة 118