كتاب يثرب قبل الإسلام

120 ...
ويعلق الأستاذ عبد الله التل على هذا الحادث فيقول: (إنها طبيعة اليهود الوحشية، وهمجيتهم التي لا تجارى، مارسوها منذ الأزل، وما زالوا يمارسونها إلى يومنا هذا، كلما أحسوا بقوتهم، وأتتهم الفرصة للإنقضاض على الكفار وهم: المسيحيون والمسلمون وجميع من هم على غير دينهم) (1).
أثر اليهودية في يثرب
لا يستطيع كاتب أو مؤرخ أن يغفل الدور الخطير الذي لعبته اليهودية في يثرب وهو يكتب عن هذه البقعة من الجزيرة العربية، فقد اتخذ اليهود يثرب وما حولها موطناً لهم، وركزوا أنفسهم في نواحيها المختلفة، وحاولوا أن يسيطروا عليها سياسياً بفرض أنفسهم على السكان الأصليين وتسلطهم على مقاليد الحكم فيها، واقتصادياً بقبضهم على زمام التجارة واستيلائهم على الأماكن الخصبة، واجتماعياً بتمييز أنفسهم على غيرهم، وإثارة الفتنة والحقد بين غيرهم لإضعاف شوكتهم حتى يضمنوا الاستقرار، ويحفظوا بالأمن، ودينيناً بإشاعة أكبر قدر ممكن من تعاليم دينهم وتقاليدهم بين الناس، ليتخلقوا بأخلاقهم ويتطبعوا بطباعهم.
والذي يعنينا في هذا المقام هو تأثير اليهودية كدين في يثرب وما حولها، بل في جزيرة العرب كلها، ومع أن هذا التاثير لم يكن ذا أثر بالغ إلا أنه كان ملحوظاً وواضحاً، لقد نادت الديانة اليهودية بالتوحيد وجاءت بعدها النصرانية فدعت إليه، وكان لهذه الدعوة أثر ملموس بين العرب، محيث اعتنقها الحنفاء منهم ودانوا بها، فكانوا يعيبون على الوثنيين ديانتهم، وكانوا يدعونهم إلى الحنفية ملة إبراهيم - عليه السلام - ومنهم في مكة قس ابن ساعدة وورقة بن نوفل، وأمية بن أبي الصلت، ومنهم في المدينة أو قيس صرمة بن أبي أنس، ومنهم أبو عامر عبد عمرو بن صيفي، فهؤلاء قد تركوا ...
__________
(1) خطر اليهودية العالمية، ص 57.

الصفحة 120