126 ...
أصحابه في أمر الخروج أو البقاء، يقول ابن أبي: (يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا) (1).
وإن هذه الكلمة لتدل على أن المدينة كانت معرضة لغارات البدو عليها، وأن أهلها كانوا على استعداد للدفاع عنها وحمايتها، وقد كانوا كما وصفهم ابن سعد أهل قوة وبأس وجلد وخبرة بالحرب، وكانوا أهل عدة، ونجده وسلاح كما كانوا أهل حلقة وبأس (2).
على أن هذا الصراع لم يكن بين أهل يثرب وجيرانها فقط، بل كان مستعراً حامي الوطيس بين أهل يثرب أنفسهم، سواء كان ذلك بين العرب بعضهم وبعض أو بين العرب واليهود، وأياً كان ذلك فإن هذا الصراع الذي ملئت به كتب السيرة والتاريخ لم يكن له سبب سوى التنافس على السلطة، وحسب التسلط على الغير.
وعلى هذا فإننا نستطيع أن نقول أن حبل الأمن كان مضطرباً في يثرب، فلم يكن هناك استقرار يجعل السكان ينصرفون إلى تنمية مواردهم الإقتصادية، ولا أمن ينعم به الناس فيعيشون حياة هادئة وديعة، بل كانت حياتهم كلها حذر وتربص واستعداد.
ولقد حال هذا الوضع القلق في يثرب بينها وبين بلوغها المركز اللائق بها في الجزيرة العربية، فلم تتبوأ مكانتها رغم موقعها الممتاز، وأرضها الخصبة، ومياهها الغزيرة، وكان من الممكن أن تنافس مكة منزلتها في قلوب العرب لولا اضطراب الأمن بها بسبب غارات جيرانها والتنازع المستمر بين أهلها.
...
__________
(1) ابن هشام (3/ 63).
(2) ابن سعد (1/ 210 - 212).