كتاب يثرب قبل الإسلام

128 ...
المنازعات - أن تتمتع بها. رغم كل هذا لم تقتنع يثرب بحسن العلاقات القائمة بينها وبين مدن الحجاز، بل حاولت أن تقيم علاقات حسنة مع الدول الخارجية، سواء كانت في الجزيرة أو على حدودها أو مجاورة لها.
وهذه الدول هي: الفرس، والروم، والغساسنة، واليمن، فأما الفرس والروم فكانت علاقات يثرب بهما محدودة، ولم يتعرض شيء من المصادر - على حد علمي - لتوضيح هذه العلاقات، والذي أدى إلى ذلك هو عدم نشاط يثرب التجاري مع هاتين الدولتين بسبب انشغالها بالخلافات الداخلية، ولا يستبعد أن يذهب بعض التجار في تجاراتهم إلى البلدين المذكورين كعادة سكان الجزيرة في هذه الفترة من الزمان (1) ويقطع بعض المؤرخين بأن أهل يثرب كانوا يخرجون إلى أسواق الشام فيتجرون بها (2).
وأما دولة الغساسنة فقد ذكرت بعض المصادر أنهم كانوا من أبناء عمومة الأوس والخزرج (3)، والصلات بينهم كانت على ما يرام وقد ظهرت قيمة تلك العلاقات عندما استنجد الأوس والخزرج بالغساسنة ليكفوا اليهود عن عبئهم وتمردهم ولم يخيب الغساسنة أمل الأوس والخزرج بل أرسلوا إليهم جيشاً أدب اليهود، ومكن للعرب، وظلت العلاقات حسنة بين يثرب والغساسنة، وقد كان شاعر المدينة- حسان بن ثابت- يذهب إلى الغساسنة، ويمدحهم، ويتغنى بما لهم من مجد وملك (4)، مما يدل على حسن العلاقات بين يثرب والغساسنة، ومن ذلك قوله:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل (5)
__________
(1) مكة والمدينة، ص 352.
(2) المفصل (2/ 141)
(3) مكة والمدينة، ص 325 - 326، المفصل (4/ 129 - 130).
(4) الأغاني (14/ 2 - 3).
(5) مختار الأغاني (3/ 128).

الصفحة 128