كتاب يثرب قبل الإسلام

131 ...
أهل يثرب بمشكلاتهم الداخلية، وعدم تمكنهم من مزاولة نشاطهم الخارجي، فلم يشاركوا في رحلة الشتاء التي كانت تتوجه من الشمال إلى الجنوب، فتوقفت الاتصالات بين البلدين وبالتالي ذبلت العلاقات بينهما.
على أن هناك سبباً آخر اعتقد أنه كان من أهم ما دعا يثرب إلى التخلف عن مزاولة نشاطها الخارجي، ذلك هو عامل الارتباط بالأرض، والإنشغال الزراعة، فإن يثرب كانت بلدة زراعية أكثر منها تجارية، ومعلوم يصعب عليهم تركها والانتقال إلى مكان آخر مهما كانت دواعي الرخاء والترف متوفرة فيه، ثم إن عدم وجود حكومة مهيمنة على الأمر في يثرب، وانفراد كل قبيلة بتصريف شؤونها بنفسها لتحقيق مصالحها الخاصة، ولو أدى ذلك إلى الإضرار بغيرها، كل ذلك أدى إلى حبس اليثربيين أنفسهم في دائرة الأرض التي يعيشون عليها، حتى يتمكنوا من فلاحتها، إذ ليست بهم حاجة إلى التطلع إلى ما عدا ذلك.
إن السياسة بمفهومها الحديث، بمعنى إقامة علاقات - دبلوماسية -بين يثرب وغيرها من الدول لم يكن معروفاً في ذلك العهد بل إن ذلك لم يعرف لدى الدول إلا بعد التحضر الإنساني والتقدم العلمي والصناعي، حيث أصبح أبناء الأمة يحرصون على إظهارها بالمظهر الذي يرفع من شأنها، ويعلي من مكانتها أمام غيرها من الدول، ولقد فرضت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية ذلك التمثيل على الأمم مراعاة لمصاحلها، وحفاظاً على أمنها، وحيث لم يكن شيء من ذلك يعني أهل يثرب بقدر عنايتهم بمصالحهم الخاصة لم يكن هذا المعنى واضحاً في أذهانهم، وبالتالي لم يتجهوا إليه ليحققوه للبلد الذي ينتمون إليه.
لهذا كانت علاقات يثرب بغيرها علاقات اقتضتها الضرورة، وحتمتها الظروف التي أحاطت بها، وحتى علاقاتها الداخلية بين سكانها لم تخرج عن هذا الوضع، فقد لاحظنا أن علاقاتها مع الفرس والروم كانت خفيفة ووقتية، كما كانت متوقفة على ذهاب بعض تجارها إلى أحد هذين البلدين، وكذلك ...

الصفحة 131