كتاب يثرب قبل الإسلام

135 ...
مع الدول المجاورة والخارجة عن حدود الجزيرة، ولم يكن هذا التأثير سلبياً فقط يقف عند حدودها ولا يتخطاها، بل كان إيجابياً أيضاً، جعل يثرب تمد يدها إلى دول أخرى معطية أو آخذة.
لقد لكن اليهود يثرب قبل الأوس والخزرج، وكانت لهم الكلمة العليا فيها، ونزل الأوس والخزرج على اليهود فعاشوا في كنفهم، ولاذوا بجوارهم، ورضى القوم بوضعهم الإقتصادي السيء إلى جوار اليهود، ولكن اليهود لم يرضوا بذلك فأمعنوا في الإساءة إليهم، وأذلوهم ذلاً أنفت منه نفوسهم، ففكروا في التخلص منهم أو على الأقل إخضاعهم لسلطتهم.
فكر العرب في ذلك وعزموا عليه، ولكن من يبلغهم ذلك؟ واليهود يملكون ويسيطرون على اقتصاد البلد ولهم فيها السيادة والقوة.
لم يكن أمام العرب في يثرب إلا أن يستعينوا بغيرهم، ليتقووا بهم على عدوهم، وقد هداهم تفكيرهم إلى أن يطلبوا العون من عمومتهم الغساسنة، فهم أقرب الناس إليهم قرابة، وأولى من غيرهم في نصرتهم، وأقدر على ذلك ممن سواهم، فأرسلوا إلى أبي جبيلة الغساني وفداً شكا إليه اليهود، ووصف له سوء معاملتهم لهم، واضطهادهم إياهم (1)، فحمى أبو جبيلة وأقسم أن يذل اليهود ويسلم مقاليد الأمور للعرب.
جهز أبو جبيلة جيشاً عظيماً، واقبل كأنه يريد اليمن، ونزل مكاناً قريباً من يثرب وأرسل إلى الأوس والخزرج فلما حضروا وصلهم وأعطاهم، ثم أرسل إلى اليهود رسولاً نادى فيهم من أراد الحباء من الملك فليخرج إليه، وكانت هذه حيلة بارعة حتى لا يتحصن اليهود بآطامهم فلا يقدر عليهم، فخرج إليه أشراف اليهود، وأمر لهم بطعام، فلما اجتمعوا عليه قتلهم، ولم يبق منهم أحداً، وعندئذٍ عز الأوس والخزرج، وسيطروا على إدارة يثرب وشؤونها.
والذي يعنينا من ذكر تلك الحادثة هو أن اليهود كانوا سبباً هاماً في ...
__________
(1) السمهودي، (1/ 179).

الصفحة 135