كتاب يثرب قبل الإسلام

136 ...
تحول أمر يثرب من أيديهم إلى أيدي العرب، بسبب سوء معاملتهم واضطهادهم لهم، ولو ظل اليهود على حلفهم مع العرب، وحافظوا على أن تكون الصلات بينهم مبنية على الحب والمودة وحسن المعاشرة لبقيت مقاليد يثرب فلي ايديهم، ولم تخرج منهم إلى غيرهم.
وإننا لنرى أن العرب في يثرب كانوا قانعين بوضعهم مع اليهود، ولم يفكروا في قطع ما بينهم من العلاقة حتى بدأ اليهود وقطعوا الحلف الذي كان بينهم، يقول ابن زبالة: اقامت الأوس والخزرج بالمدينة، ووجدوا الأموال والآطام والنخيل في أيدي اليهود، ووجدوا العدد والقوة معهم، فمكث الأوس والخزرج ما شاء الله، ثم إنهم سالوهم أن يعقدوا بينهم جواراً وحلفاً يأمن به بعضهم من بعض، ويمتنعون به ممن سواهم، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا، فلم يزالوا على ذلك زماناً طويلاً، وأمرت الأوس والخزرج، وصار لهم مال وعدد، فلما رأت قريظة والنضير حالهم خافوهم أن يغلبوهم على دورهم وأموالهم، فتنمروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي كان بينهم (1).
واليهود بذلك قد نكثوا على أنفسهم، ونقلوا السلطة في يثرب من ايديهم بأنفسهم إلى يد العرب وبدأت في يثرب حياة سياسية قوامها سلطة العرب وسيطرتهم.
وعاش اليهود في جوار العرب حلفاء لا صرحاء، حتى كان الرجل منهم إذا نزلت به النازلة يذهب إلى حلفائه من العرب ولا يذهب إلى قومه من اليهود، ويقول: إنما نحن جيرانكم ومواليكم، فكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يتعززون بهم (2).
ونحن نلاحظ هنا أن تحويل السلطة في يثرب، وتغيير الأوضاع فيها إنما كان على يد دولة خارجية، ولم يحدث ذلك نتيجة ثورة داخلية أو انقلاب قام به السكان الأصليون، وذلك يدل دلالة واضحة على أن عبث اليهود وسوء ...
__________
(1) السمهودي، ص 178.
(2) مكة والمدينة، ص 327.

الصفحة 136