137 ...
معاملتهم أدى إلى تدخل دولة أجنبية في شؤون يثرب الداخلية.
وكما كان لليهود هذا الأثر في سياسة يثرب الداخلية، فقد كان لهم اثر إيجابي في رد حملة عسكرية مدمرة على يثرب، وإبعاد شرها عنها، فإن المصادر تروي أن أبا كرب تبع الحمير كان قد قصد تدمير يثرب وإحراق نخلها وإهلاك أهلها، وإنما رده عن ذلك حبران من أحبار اليهود، وأقنعاه بالعدول عن رأيه، كما أقنعاه باعتناق اليهودية فتهود (1).
ويقيني أن الحبرين إنما دفعا أبا كرب عن يثرب، وأقنعاه بالإنصراف عنها خوفاً على حياة اليهود فيها وعلى أموالهم فهو قد عزم على تدميرها وقطع نخلها وإهلاك أهلها (2).
وأما تعليلهم عدم قدرته على ما عزم لأنها مهاجر نبي آخر الزمان، فإن ذلك لا يقم علة صحيحة، لأن النبي - محمداً ص - كان قد بقي على مولده أكثر من سبعمائة سنة على رأي ابن كثير (3)، أو مائة وسبعين سنة كما ذكر الدكتور جواد علي نقلاً عن (فون وزمن) حيث ذكر أن حكم تبان أسعد أبو كرب كان في عام (400) للميلاد (4).
وعلى هذا فإن أبا كرب لو دمر يثرب لأمكن إعادتها وتشييدها، حتى إذا بعث الرسول وهاجر - صلى الله عليه وسلم - تكون أحسن مما كانت عليه من قبل.
ويمكننا أن نقول: إن خوف اليهود على حياتهم، وحرصهم على حفظ أموالهم، هو الذي جفع الحبرين إلى الخروج ومواجهة تبع لإقناعه بالكف عن الحرب، ثم وجدا منه أذناً صاغية، فأقنعاه باعتناق اليهودية وهكذا يكون وجود اليهود في يثرب وحرصهم على أن يعيشوا في أمن واستقرار، جعل يثرب تنهج نهجاً سياسياً معتدلاً هادئاً ليس فيه طيش ولا حمق جنبها الدخول في ...
__________
(1) الأغاني (13/ 115 - 118).
(2) ابن هشام (م1/ 20).
(3) تفسير ابن كثير (4/ 144).
(4) المفصل (2/ 526).