138 ...
معركة لا يعلم إلا الله - سبحانه - كيف كانت تنتهي، ولمن ستكون الغلبة فيها.
الفتن اليهودية
وكما كان حرص اليهود على حياة هادئة في يثرب سبباً في رد هذه الغارة عنها، كان كذلك سبباً في إيقاد نار حرب ضروس بين الطرفين اللذيين كان اليهود يعتبرون ائتلافهما انتهاء لفترة وجودهم في يثرب.
لقد علمت اليهود أن وجودهم في يثرب، وتمنعهم بخبراتها متوقف على استمرار النزاع بين الأوس والخزرج، وبخاصة بعد ما آلت سياسة يثرب إليهم، وأصبحوا القائمين على أمرها.
بدأ الخلاف بين الأوس والخزرج أول ما بدأ تنافساً على السلطة، وتنازعا من أجل السيادة، وكانت بينهما حروب دامت مائة وعشرين عاماً (1) بدأت بحرب سمير وانتهت بيوم بعاث وكانت الأخيرة قبل الإسلام بخمس سنين (2).
وكانت هذه الحروب فرصة سنحت لليهود لا يمكن أن يفتلتوها، فقد صرفت هذه الحروب الأوس والخزرج عن التعرض لليهود أو التفكير في أمرهم، فلم يكن لدى القوم وقت للتفكير إلا في أحوالهم، وفيما آل إليه أمرهم. إن تلك الحروب المتلاحقة سدت عليهم المنافذ فلم يفكروا إلا في الإعداد لها، وفي النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها.
وتنفس اليهود الصعداء، وعاشوا آمنين في ضوء نار تلك الحروب، كان من مصلحتهم أن تظل مستعرة الأوار، وكانوا كلما وجدت وسيلة لإطفائها استبعدوها عن الميدان، واتخذوا لذلك وسائل منها:
...
__________
(1) السمهودي، 1/ 215).
(2) نفسه، ص 218.