كتاب يثرب قبل الإسلام

141 ...
من ديارهم، ولقد عبر عن ذلك شاس بن قيس حينما مر على نفر من الأوس والخزرج، وقد جمعهم الله على الإسلام، فجلسوا في ألفة ومودة يتحدثون، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله، ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار (1).
هذه القولة أصدق تعبير عما في نفس اليهود من الخوف من اجتماع الملأ من الأوس والخزرج علىكلمة واحدة، وهم في الحقيقة محقون، لأن العرب لا يمكن أن يتركوهم وقد ثبت لهم ما فعلوه من الدس والوقيعة، وتفريق الشمل، وتمزيق الوحدة، فأنى يكون لهم قرار بعد ذلك؟
ولم يكتف شاس بمقالته، ولكنه نقلها إلى حيز التنفيذ والعمل، فأمر شاباً من اليهود أن يذهب إلى مجلس الأوس والخزرج وقال له:
اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذكرهم بيوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار - وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج - ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا، حتى توائب رجلان من الحيين على الركب: أوس ابن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث بن الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة ن الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن جذعة. وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة - فخرجوا إليها، وتحاور الناس، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية (2).
هذه حادثة عملية توضح بغير خفاء ما كان يحيك في نفوس اليهود من الفزع من اجتماع الأوس والخزرج، وتخطيطهم لاستمرار العداوة بينهما، وهذه الحادثة وإن كانت بعد الإسلام إلا أنها تعطينا فكرة عن الروح العامة ...
__________
(1) تفسير الطبري (7/ 55).
(2) تفسير الطبري (7/ 55).

الصفحة 141