كتاب يثرب قبل الإسلام

142 ...
لدى اليهود وأنهم كانوا يرون في اجتماع كلمة الأوس والخزرج أمراً مهدداً لكيانهم في المدينة، فعملوا على تحطيم الإتحاد بين القبيلتين العربيتين (1).
وهكذا كان تواجد اليهود في يثرب عاملاً قوياً من عوامل توجيه سياستها كما رأينا، ففي النصف الأول من القرن الخامس الميلادي (2) كان هجوم تبع على يثرب، على تدميرها بسبب أن سكان يثرب قتلوا ولده أو أحد أتباعه (3) وكان اليهود في يثرب هم أصحاب الحول والطول فيها يومئذ، فخافوا على سلتهم وأموالهم، وفاوضوه بواسطة الحبرين، ثم كان اقتناعه وتهوده.
واليهود بذلك قد نجحوا في تأسيس دولة يهودية في اليمن على يد تبع الذي تهود، وهم بذلك يقصدون تدعيم سلطتهم في يثرب، وقد كان لهم ذلك، ولهذا فإنهم نقضوا الحلف الذي بينهم وبين الأوس والخزرج، وأساءوا معااملتهم، معتمدين على الدولة اليهودية التي قامت باليمن، والتي كانت على استعداد لحمايتهم إذا اعتدى عليهم أحد.
ولهذا يستبعد بعض المؤرخين أن ينزل باليهود ما نزل بهم في يثرب على يد العرب مع وجود دولة يهودية في الجزيرة ويقولون:
إن ذلك لم يكن إلا بعد زوال الدولة اليهودية على يد الأحباش (4).
ولهذا يقول المؤرخ (جيتيز): إن البطون الأوسية والخزرجية لم تصارح اليهود بالعداوة والمعصية إلا بعد النكبة التي حلت باليهود في اليمن، إذ لا يتصور أن يضطهد اليهود في الحجاز في العصر الذي كان فيه ملوك متهودون يسيطرون على اليمن، ويتعصبون لدينهم ويناهضون كل من يناهضهم، أو يعتدي عليهم (5).
__________
(1) مكة والمدينة، ص 338.
(2) المفصل (2/ 526).
(3) السمهودي (1/ 186 - 187).
(4) مكة والمدينة، ص 328.
(5) عن تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص 61.

الصفحة 142