143 ...
وإنه مما يؤيد قيام دولة يهودية في اليمن في هذه الفترة العثور على نصوص تشير إلى انتشار عقيدة التوحيد في هذه البلاد فقد عثر على نص فيه هذه العبارة (بنصر وردا إلهن بعل سمين وأرضن)، ومعناها (بنصر وبعون الإله رب السماوات والأرض).
ويعلق الدكتور جواد على النص بعد ذكره فيقول: وهي عقيدة ظهرت عند أهل اليمن بعد الميلاد بتأثير اليهودية والنصرانية بلا شك (1).
فاليهود إذن لم يسيئوا معاملة جيرانهم العرب، ولم يتمردوا ويقطعوا الحلف الذي كان بينهم إلا اعتماداً على تلك الدولة، والعرب لم يصبروا على هذا الضيم إلا لأنهم كانوا قلة في العدد، ضعفاء في العدد، ومع ذلك فقد ظلوا يتحينون الفرصة وينتظرون اللحظة التي يتمكنون فيها من الأخذ بثأرهم، فلما حانت اهتبلوها ولم يضيعوها.
وقد كانت تلك الفرصة عند سقوط الدولة اليهودية على يد الحبشة حين غزت جيوشها اليمن وأزالت دولة اليهود منها واقامت على أنقاضها دولة نصرانية في عام 525 ميلادية (2).
وكان اليهود في يثرب قد استغلوا هذه الظروف، ولا سيما حينما رأوا الأوس والخزرج قد زاد عددهم وقويت شوكتهم، وأصبحوا ينافسونهم في الزراعة والتجارة، عندئذٍ قطعوا الحلف الذي كان بينهم، وأساءوا معاملتهم، وحاولوا إذلالهم ولما بلغ السيل الزبى، كانت دولة اليهود قد سقطت في اليمن، وأصبح يهود يثرب بلا معين، ولا ظهير، ولكنهم مع ذلك قوة لا يستطيع العرب مواجهتها، وعندئذٍ اتجه التفكير إلى استدعاء أبناء عمومتهم - ملوك غسان - فأعانوهم عليهم ومكنوا لهم في يثرب وعاش اليهود فيها طرفاً ثانيا ً، وانتقلت السلطة إلى يد الأوس والخزرج.
وبدأ التنافس على الرئاسة بين الأوس والخزرج ودس اليهود أنوفهم ...
__________
(1) المفصل (2/ 582).
(2) المفصل (2/ 594).