كتاب يثرب قبل الإسلام

152 ...
إلى عبد الله بن أبي أرفى - رضي الله عنهما - فقالا: سله هل كان أصحاب النبي- صلعم - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون في الحنطة؟ قال عبد الله: (كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم) (1).
ومعنى ذلك أنهم كانوا يسلمون الثمن لأهل الشام على أن يستلموا منهم الحنطة أوالشعير أو الزيت في وقت يحددونه قد يبلغ السنة أو السنتين، وإذا كانوا يفعلون ذلك في صدر الإسلام، فإن فعله قبل مجيء الإسلام يكون من باب أولى، حيث كانت الغلة قليلة بسبب اضطراب الأمن والحروب المتولية.
طبقة بغيضة
كان اليهود في يثرب أغنى سكانها، وكانوا يملكون مساحات واسعة من الأراضي تغل عليهم ما يكفيهم ويزيد عن حاجتهم، ونتيجة لذلك لم يكن دخل العرب من غلة أراضيهم كافياً لسد حاجاتهم الضرورية.
ولقد اكتسب اليهود هذه الميزة بسبب وضع أيديهم على المناطق الغنية بخصوبة التربة ووفرة المياه، لأنهم كانوا يسكنون عوالي المدينة المنطقة الشهيرة بذلك، والعرب وإن كان بعضهم قد جاور اليهود في سكنى هذه المنطقة إلا أنهم نزلوا بعدهم، وبعد أن استولوا علىالجزء الأكبر والمهم منها، ولهذا لم يبلغوا مبلغهم من الثروة وكثرة الغلة.
والعادة في مثل هذه المجتمعات أن تنشأ فيها طبقات متناحرة، يستغل فيها الأقوياء الضعفاء، ويسخر فيها الأغنياء الفقراء ويصبح المحتاجون عبيداً للموسرين، ثم تكون النتيجة ثورة المظلومين على الظالمين، ثورة لا تبقى ولا تذر.
ولقد كان مجتمع يثرب على هذه الشاكلة، فكان اليهود متسلطين على ...
__________
(1) البخاري بشرح ابن حجر (4/ 430).

الصفحة 152