153 ...
السكان بثروتهم وغلاتهم، وكان الزراع من العرب مضطرين إلى الإستدانة منهم لسد النقص الذي يعانون منه مقابل رهن يقدمونه لهم (1).
وكثيراً ما كان العربي يضطر إلى بيع ثمرة غلته لكي يقضي دينه، وعندئذٍ لا يتقدم للشراء إلا هؤلاء الأغنياء فيبتاعون منهم بثمن بخس، ويبيعونهم بأضعاف ما اشتروا به، فيزداد الأغنياء غنى ولا يزداد الفقراء إلا فقيراً، وعندئذٍ يقع أصحاب الأراضي القليلة تحت ضغط الحاجة، ومطالبة الدائنين إلى التخلي عن أراضيهم أو على الأقل عن جزء كبير منها سداداً لهذه الديون التي ركبتهم فتنحصر الأراضي الزراعية في يد حفنة من المنتهزين وتسوء الأوضاع الاقتصادية ويعيش السواد الأعظم من السكان في ضنك وضيق لا يطاقان، وتستحكم العداوة ويشيع الحقد، ويقع المجتمع كله تحت وطأة خصومات لا تنتهي، ويصبح فريسة لحرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس.
أثر الحرب على الوضع الاقتصادي
نتيجة لهذا الوضع المتدهور اقتصادياً في يثرب نشبت بين السكان حروب دامية من أجل الاستيلاء على المواقع الخصبة، فإن استيلاء الأوس على المناطق الخصبة، ونزولهم إلى جوار النضير وقريظة على وادي مهزور ومذينيب جعلهم أحسن حالاً من أبناء عمومتهم الخزرجيين (2).
لقد أصبح الأوسيون يشعرون بمركزهم الاقتصادي الممتاز، ويرون أنهم يستحقون الصدارة علىالخزرج بهذا التفوق في الوقت الذي كان فيه الخزرج يشعرون بتفوقهم السياسي، وأنهم بقيادة مالك بن العجلان قد أخضعوا اليهود للعرب، واضطروهم لأن يعيشوا بينهم حلفاء لا صرحاء كما كانوا من قبل، ولذلك فهم يرون أنهم أحق بالسيادة من الأوس، وبهذا أصبح كل فريق يرى - من وجهة نظره - أنه أحق بتقلد الأمور من الآخر.
...
__________
(1) البخاري بشرح بن حجر (5/ 142).
(2) مكة والمدينة، ص 339.