155 ...
إن هم حالفوا الأوس فتراجع اليهود وحالف بعض بطون الأوس الخزرج لينقذوا وضعهم الاقتصادي الذي أوشك على الإنهيار (1).
ولكن الأثرياء من الأوس قد أقسموا ألا يصالحوا حتى يدركوا ثأرهم من الخزرج، ودارت رحى الحرب عوناً لا تكاد تهدأ حتى تثور، وكانت الغلبة للخزرج، ولما يئست الأوس من النصر هموا بمحالفة الخزرج، ثم تشاوروا فيما بينهم وعزموا على محالفة قريش، ولكن قريشاً قبلت الحلف ثم قطعته نزولاً على مشورة الوليد بن المغيرة، فلم تظفر الأوس بحليف يقف إلىجوارهم ضد الخزرج.
ولم تقتنع الخزرج بذلك النصر السياسي والعسكري، وظلت تتطلع إلى تحسين مركزها الأقتصادي، آملة أن تدركه بنصر يمكنها من الإستيلاء على الأراضي الخصبة التي لا زالت تحت سيطرة اليهود والأوس، وقد عبر عن تلك الرغبة عمرو بن النعمان البياض حين قال لقومه الخزرجيين: (يا قوم، إن بياضة بن عمر قد أنزلكم منزل سوء، بين سبخة ومغازة، والله لا يمس رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنضير، على عذب الماء وكريم النخل (2).
لا شك أن هذه العبارة من عمرو بن النعمان رئيس الخزرج تدل على ما كان يجيش في صدورهم من الرغبة في الإستيلاء على تلك البقاع الخصبة التي كان يسيطر عليها اليهود والأوس على حد سواء، وقد أرسل فعلاً إلى اليهود يطلب منهم التخلي عن أرضهم ودورهم ليسكنونها أو يذبح من تحت يده من أولادهم، وهم اليهود بالتخلي تلبية لنداء الخزرج، ولكن الأوس لما علمت بذلك ذهبت إلى اليهود، وطلبوا منهم أن يتحالفوا ضد الخزرج العدو المشترك.
إن الخطر الآن لم يعد يهدد الأوس وحدهم. بل تخطاهم إلى اليهود ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 340.
(2) السمهودي (1/ 217).