156 ...
الذين كانوا من قبل محايدين، لم يتورطوا في تلك الحروب، وأصبحت بذلك الخزرج عدواً مشتركاً يجب أن يستعد ليواجه الجبهة المتحدة التي عزمت على خوض معركة فاضلة معه.
إن القضية الآن قضية حياة أو موت، وقد عزم الأوسيون على أن يموتوا في هذه الحرب أو يحيوا كراماً بعدها، حتى قالوا: منعونا الحياة فيمنعوننا الموت؟ ويقول ابن أبي الخزرجي ناصحاً قومه، وقد ذكر لهم هذه المقالة للأوس: (والله ما يموتون أو تهلكون عامتكم) (1) وأما اليهود فكانوا يرون انتزاع أموالهم من أيديهم بعد انتزاع السلطة كفيلاً بأن يدفعهم إلى تلك المغامرة وإن لم تكن حبيبة إلى نفوسهم، وأن الموت خير من حياة خالية من المال.
لقد صبروا من قبل على انتزاع السلطة، ولكنهم لا يصبرون على انتزاع الأموال، لذلك اسرع اليهود في تلبية نداء الأوس للتحالف حتى يواجهوا هذا الخطر المحدق بهم جميعاً، هذا هو موقف الأوس واليهود، وهم في موقفهم هذا محقون، وقد وحد بينهم البلاء الذي رماهم به الخزرج من غير تفكير في العواقب.
وأما بالنسبة للخزرج فإن هذا التصرف من زعيمهم عمرو بن النعمان، إنما يدل على سفه في الرأي، وحمق في التصرف، ويبدو أنه قد غرته انتصاراته المتكررة على الأوس فطمع فيما في أيدي اليهود من الأموال، وقد سال لعابه، فخف حلمه، فأعلن الحرب على عدو قوي وبخاصة وأنه سيجد من العرب من يكون إلى جانبه وهو يخوض هذه المعركة الفاصلة.
ودارت المعركة شديدة عنيفة، هؤلاء يدافعون عن أموالهم، وأولئك يحاولون انتزاعها والفوز بها، وكانت الدائرة على الخزرج، ووضعت الأوس فيهم السلاح، وقتل عمرو بن النعمان رئيس الخزرج، كما قتل حضير الكتائب رئيس الأوس، وجعلت الأوس تحرق على الخزرج نخلها ودورها، ...
__________
(1) السمهودي (1/ 217).