كتاب يثرب قبل الإسلام

157 ...
حتى خرج سعد بن معاذ ووقف على باب بني سلمة الخزرجيين وأجارهم وموالهم جزاء لهم بيوم الرعل وكان للخزرج على الأوس (1).
ونستطيع بعد ذلك أن نقول: إن هذه الحروب قد شلت الأيدي التي تفلح الأرض، وتستغل خبراتها، وحدت بالتالي من النشاط الزراعي الذي كان يمكن أن يكون لو عاشت البلاد في أمن واستقرار، وتسبب عن ذلك ضيق في الموارد الزراعية دام أثره حتى دخل الإسلام يثرب، وكان قدوم المهاجرين من أهل مكة. إليها، واستقبال الأنصار لهم بهذه الروح الطيبة رغم ما هم فيه، شارحاً بليغاً لمعنى الإيثار الذي تحدث عنه القرآن الكريم فيما بعد، كما تسبب - بلا شك - قلة في الأيدي العاملة التي يمكنها رفع المستوى الزراعي والنهوض به إلى خير مما كان عليه.
ولقد رأينا أنكلا الفريقين المتناحرين كان يتعمد تدمير اقتصاد الآخر كلما حانت له الفرصة، فإذا كانت الدائرة على الأوس أحرق الخزرج النخيل والمحصول، وإذا كانت الدائرة على الخزرج عاملهم الأوس بمثل ما كانوا يعملون، وبذلك أصبحت الغلة الزراعية هدفاً من أهداف الحرب، يعمد إليه المنتصر فيهلك من الحرث ما يقدر عليه، حتى ينزل بخصمه خسارة مادية لا قبل له بها، ويضطره إلى النزول تحت ضغط الحاجة لما يريده منه.
ونحن نرى مع هذا وأن العقلاء من العرب كانوا دائماً يشعرون بأنهم أمام قوم دخلاء عليهم، وأن العداوة المستحكمة بينهم يجب أن توجه في الحقيقة إلى هؤلاء الدخلاء، لهذا رأينا عمرو بن الجموح الخزرجي، وقد انتصر قومه يوم الرعل، وكادوا يقضون على خصمهم عندئذٍ يقف عمرو ابن الجموح، وقد أدرك بفطمته أن القضاء على الأوس ليس في مصلحة الحزرج، بل هو أولاً وبالذات مصلحة حقيقية لليهود الدخلاء، حيث يكونون قد كسبوا نصف المعركة وهم جلوس في بيوتهم، ولم يبق أمامهم إلا التخلص من النصف الآخر - الخزرج - وهو أمر سهل بعد القضاء على ...
__________
(1) ابن الأثير (1/ 418 - 419).

الصفحة 157