كتاب يثرب قبل الإسلام

159 ...
فقد كان يزاوله سكان السواحل والبلاد القريبة من البحر، ولا يستبعد أن يكون سكان المدينة قد زاولوه في رحلاتهم وأسفارهم (1) ولم يكن صيد البحر من الموارد التي يعتمد عليها أهل يثرب في حياتهم، لبعدهم عن البحار، ولاهتمامهم بغيره من وسائل العيش التي كانوا يزاولونها، وفي ذكر القرآن الكريم صيد البحر دليل على معرفتهم له (أحل لكم صيد البحر وطعامه).
وأما صيد البر فقد برع فيه أفراد من أهل يثرب، واتقنوه (2) وكثيراً ما كانوا يعتمدون عليه في طعامهم، وكانوا يتفننون في طريقة الصيد، وكان لكل صيد ما يناسبه من الآلات، فمثلاً الحمار الوحشي أو البقر، كانوا ينصبون لها الفخاخ المصنوعة من الحديد، وكانوا يدسونها في التراب، فإذا مر الحيوان بالفخ، ووقعت رجله عليه، لذعها الفخ، عندئذٍ يرمح فيقطع أعصابها، حتى لا يكون بهاحراك، ويدركها الصائد فيمسكها (3).
وأما الغزال والأرنب والضب، فكانوا يصطادونها عن طريق مطاردتها بالخيل ورميها بالرمح أوالسهم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء منالصيد تناله أيديكم ورماحكم) (4) كذلك كانوا يستعملون المعراض في صيدها، والمعراض خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها، وقد لا يحدد (5) ومن وسائل الصيد الكلاب المعلمة والبازي، كانوا يرسلونها، فتمسك الصيد أو تعوقه حتى يأتي الصائد فيضربه برمحه أو يأخذه ويذكيه (6) وكذلك كانوا يصطادون بعض الطيور بالحبائل التي يعدونها لذلك (7).
ويبدو أن الصيد بالمعراض كان شائعاً بينهم، حتى أنهم لما جاء ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 364.
(2) نفسه: 363.
(3) نفسه.
(4) المائدة: 94، مسلم بشرح النووي (13/ 79).
(5) البخاري بشرح ابن حجر (9/ 599 - 600).
(6) المشكاة (2/ 425).
(7) المطالب العالية (4/ 305).

الصفحة 159