كتاب يثرب قبل الإسلام

160 ...
الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد المعراض وتكرر ذلك منهم مما يدل على شيوعه فيهم وانتشاره بينهم (1).
والصيد بنوعيه يعتبر دخلاً هاماً يرفع المستوى المعيشي للأفراد، وعلى هذا فإننا نستطيع أن نقول: إنهم كانوا يحرصون على الإصطياد لحاجتهم إليه، وليرفعوا عن أنفسهم الفاقة والضيق اللذين كانا يخيمان على المجتمع في هذه الحقبة من الزمان، حيث كانت الزراعة وحدها لا تكفي لسد حاجات الإنسان الضرورية، حتى اضطروا إلى الاستدانة على النحو الذي رأيناه آنفاً.
وأما الرعي فقد كان حرفة السواد الأعظم من سكان الجزيرة العربية، وكان السكان على اختلافهم لا غنى لهم عنه سواء كانوا زراعاً أم تجاراً، بدواً أم حضراً، فالزراعة تعتبر الماشية بأنواعها المختلفة من إبل وبقر وغنم وماعز وخيل وبغال وحمير بالنسبة لهم شيئاً أساسياً من ضرورات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها هي الوسائل التي يروون بها أرضهم ويحرثون بواسطتها زرعهم ويتخذون من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً، ويتخذون من جلودها بيوتاً يستخفونها في حلهم وظعنهم.
وأما اتجار فإنهم كانوا يتخذونها سلعاً يبيعون فيها ويشترون، كما كانوا يستعملونها وسائط نقل لتجارتهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، فكانت بذلك عوناً لهم على استثمار أموالهم، وتجارة حاضرة يديرونها بينهم.
وأما البدو فالمواشي هي رؤوس أموالهم التي يعلقون عليها آمالهم، وينظمون على أساس امتلاكها حياتهم، فمن لحومها يأكلون، ومن ألبانها يشربون، ومن صوفها ووبرها يلبسون ومن جلودها يتخذون بيوتاً إلى ظلها يفيئون.
ويتخذ الحضري لها مراحاً ومسرحاً، فهي له زينة وجمال، فيركب منها الخيل والبغال، وهي سلاح وقت الحرب لا يفل، وذخيرة في السلم لا تمل، ظهورها عز، وبطونها كنز.
...
__________
(1) البخاري بشرح ابن حجر (9/ 599، 603، 604).

الصفحة 160