كتاب يثرب قبل الإسلام

162 ...
اقتناءها، ولقد كان في ذكر الأنعام بأنواعها المختلفة، والإشادة بفوائدها، والإطناب في خصائصها تعبير صادق عما في نفوس العرب من الحب لها، والاستمتاع بذكرها، قال تعالى-: (والأنعام خلقها، لكم فيها دفء ومنافع، ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، إن ربكم لرؤوف رحيم، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون) (1).
من هذا كله يتضح لنا أن الزراعة كانت شيئاً هاماً بالنسبة لسكان الجزيرة العربية، والآيات وإن كانت مكية إلا أنها تخاطب الناس جميعاً وتدل على اهتمام العرب بالزراعة والرعي، ولو لم يكونا جديرين بالإهتمام، ولو لم يكونا بالنسبة لسكان الجزيرة شيئاً ذا بال ما ذكرهما القرآن بهذا التفصيل، وما كرر ذكرهما في سور كثيرة على هذا النحو.
ثالثاً: التجارة
ومدينة يثرب كانت ككل المدن في الجزيرة العربية تحيط بها القرى، وإن نأت، ويضرب حولها البدو من كل ناحية، ومن المؤكد أن هذه القرى تقصد يثرب لتبيع منتوجاتها، وتشتري منها حاجاتها، وكان لا بد لهؤلاء البدو من أسواق يتجهون إليها لبيع ما لديهم وشراء ما ينقصهم، وليس لهؤلاء، ولا لأولئك مقصد إلا يثرب، حيث هي بالنسبة لهم واسطة العقد، وعاصمة الإقليم.
لهذا كانت الحركة التجارية في يثرب ملحوظة، فكان الناس يقصدونها كافراد، كما كانت القوافل تؤمها جماعات فإن موقع يثرب في الطريق بين الحجاز والشام، جعلها محطاً تلتقي فيه القوافل الذاهبة إلى بلاد الشام، والقوافل القادمة منها. وهناك يحصل الإحتكاك التجاري، فيعرف التجار من خلال لقائهم الأسعار والأصناف، ويقفون على ما ينقص القافلة القادمة من ...
__________
(1) النحل: 5 - 8.

الصفحة 162