163 ...
البضائع التي يحتاج إليها الناس، فيجلبونها معهم، وفي نفس الوقت يعرفون أسعار السلع المجلوبة فلا يستطيع أحد أن يخدعهم أو يغبنهم.
وإني لأعتقد أن أهل يثرب كانوا يستفيدون من مرور هذه القوافل ببلدهم، حيث كانوا يشترون من القادمين ما يلزمهم، ويبيعون لذاهبين ما يتزودون به في طريقهم، إذ لا يمكن أن يغفل أهل يثرب - وفيهم اليهود - تلك الفرص ولا يستفيدون منها.
لهذا كله أستطيع أن أؤكد أن الحركة التجارية في يثرب كانت واسعة وهامة، كما كانت مصدراً رئيسياً من مصادر العيش للسكان، وإن كانت لا تفوق النشاط الزراعي أو تماثله بل كانت في الدرجة الثانية بعده.
الأسواق الداخلية
اقتضى اشتغال أهل يثرب بالتجارة أن تكون لهم أسواق يجتمعون فيها، كذلك اقتضى التقاء القوافل التجارية فيها أن تكون هذه الأسواق على مستوى يتناسب مع تجارتها الخارجية، ذلك لأن منزلة يثرب التجارية منزلة مرموقة، ولهذا فإن تجارتها كانت على نوعين:
تجارة داخلية وتجارة خارجية، وسأتناول كل نوع منهما بالتفصيل.
أسواق يثرب:
وقد كان ليثرب في الجاهلية أسواق يجتمعون فيها للتجارة، والسوق: الموضع الذي تجلب إليه البضاعة والأمتعة وقد كانت أسواق يثرب فضاء واسعاً لا بناء فيه، ومن سيبق إليه فله المحل الذي يضع فيه بضاعته (1)، حتى كان الراكب ينزل بسوق المدينة، فيضع رحله ثم يطوف بالسوق، ورحله بعينه يبصره، ولا يغيبه عنه شيء (2).
...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 365.
(2) السمهودي (2/ 749).