كتاب يثرب قبل الإسلام

167 ...
وكان من وسائل الغش في البيع والشراء خلط الجيد من البضاعة بالردئ، كما كانوا يعمدون إلى القمح أو الشعير ويبلونه بالماء حتى يكثر عند الكيل، كذلك كانوا يمتنعون عن حلب الماشية التي يريدون بيعها حتى يجتمع اللبن في الضرع فيحسبها الشاري حلوياً غزيرة اللبن، وهو المعروف بالمصراة، وكانوا يبيعون إلى أجل يسمونه - وهو النسيئة - كما كانوا يبيعون مقابل رهن يقدمه المشتري، حتى يدفع القيمة، ويسترد الرهن، وهاتان وسيلتان من أبرع وسائل زيادة الربح، وتنشيط الحركة التجارية، حيث يقبل الناس على الشراء، وإن لم يكن معهم قيمة ما يشترون، وفي نفس الوقت يستغل التاجر حاجة المشتري فيرفع السعر مقابل تأجيل الدفع.
ويدل التعامل بين الناس بهذه الطرق المتقدمة على أنه لم تكن هناك رقابة في الأسواق تنظم البيع والشراء، وتخضع التجار لنظام يضمن مصلحة المستهلكين، وتحمي المستهلك من غش التجار وخداعهم، وذلك لأن يثرب كان يسودها النظام القبلي شأنها في ذلك شأن باقي مدن الجزيرة، فلم يكن بها حكومة تقوم بالرقابة والتنظيم.
والذي يلاحظه الدارس لهذا الجانب من تاريخ يثرب هو أن هذه المعاملات ظلت الطريقةالمتبعة في البيع والشراء حتى جاء الإسلام فنهى عن كل ما فيه غرر أو غش أو خداع، ووضع قواعد للبيع والشراء على النحو الذي سنعرفه فيما بعد (1).
وكانت السمسرة معروفة عند أهل يثرب، واتخذها بعضهم حرفة يكسبون منها رزقهم، وكانت مهمة السمسار أن يتولى البيع عن صاحب السلعة مقابل أجر يحصل عليه منه، وكان السمسار يتحرى في ذلك مصلحته الشخصية فحيثما وجد الزيادة لدخله باع، وقد لا يكون ذلك في مصلحة المالك، بل قد يعود عليه بالخسارة، كما أنه يترتب عليه حرمان أهل البلد من البضاعة التي جلبها البدو، وإضرارهم باحتكارها ورفع سعرها (2).
...
__________
(1) يراجع كتاب البيوع في البخاري ومسلم.
(2) البخاري شرح ابن حجر (4/ 370).

الصفحة 167