كتاب يثرب قبل الإسلام

169 ...
وعابت على الذين يتعاملون به، وجدناها توجه الخطاب إلى طائفة معينة من سكان يثرب وهم اليهود، قال تعالى:
(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلتلهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهو عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل) (1).
وتخصيص اليهود بالذكر لا يدل على أنهم وحدهم هم الذين كانوا يتعاملون بالربا، بل يدل على أنهم كانوا أصحاب الفكرة والذين بدأوا بالتعامل بها، ولهذا حملهم مسؤوليتها، والواقع أن كثيراً من العرب كانوا يتعاملون بالربا سواء كان ذلك مع اليهود أم مع العرب، وسواء كان العربي من أهل يثرب أم من غير أهلها، حتى روى صاحب الأغاني أن أحد الشخصيات العربيةالمرموقة، وهو أحيحة بن الجلاح، أحد زعماء الأوس، كان يتعامل بالربا مع قومه حتى كاد أن يستولي على أموالهم (2).
ولقد كان التعامل بالربا شائعاً بين سكان الجزيرة العربية، وبين أهل يثرب خاصة، شيوعاً جعل القرآن الكريم يندد به، ويهدد الذين يتعاملون على أساسه، بل تصل الحال إلى إعلان الحرب من الله على هؤلاء الذين لا يكفون عن التعامل به ولو كانوا في عداد المؤمنين (3).
والذي يظهر من معالجة القرآن الكريم لمشكلة الربا، والأساليب التي اتبعها في القضاء عليه، أنها مشكلة مستعصية، ألفتها النفوس، فأصبحت لا تستغني عنها، وأشربت حبها القلوب فلا سبيل إلى نبذها بسهولة، لهذا فإن القرآن الكريم وهو بصدد مشكلة اجتماعية خطيرة اتخذ في حلها وسائل نفسية ليهئ القلوب لقبولها، ويتدرج بالنفوس إلى الرضا بها وسنوضح ذلك عند الكلام على الوضع الاقتصادي في الإسلام.
...
__________
(1) النساء: 160 - 161.
(2) الأغاني: (13/ 119) التقدم.
(3) البقرة: 278 - 279.

الصفحة 169