170 ...
الأسواق الخارجية
كانت الأسواق الخارجية بالنسبة ليثرب منحصرة تقريباً في سوقين أحدهما في الشمال وهي بلاد الشام، والثانية في الجنوب وهي بلاد اليمن، والذي يظهر أن السوقين كانتا بالنسبة لأهل الحجاز بعامة شيئاً مهماً، حتى ورد ذكرهما في القرآن الكريم على سبيل الامتنان، وحث أهل الرحلتين على الإيمان برب البيت الذي هيأ لهم اسباب التوجه إلى السوقين، قال - تعالى-: (لإيلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف، فيعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) (1).
وجمهور المفسرين على أن الرحلتين المذكورتين كانت إحداهما إلى اليمن شتاء، والثانية إلى الشام صيفاً، ويتضح من ذلك أن الأسواق الخارجية لأهل الحجاز هي الشام واليمن، وقد توجد أسواق أخرى كبلاد الفرس إلا أن التعامل معها كان قليلاً ونادراً.
وروى أبو هلال العسكري قال: خرج أبو سفيان بن حرب وركب من قريش وثقيف، يريدون بلاد كسرى بتجارة لهم، فلما ساروا ثلاثاً جمعهم أبو سفيان، فقال:
إنا في مسيرنا هذا لعلى خطر، قدومنا على ملك لم يأذن لنا بالقدوم عليه، وليس لنا بمتجر، فأيكم يذهب بالعير، فإن أصيب فنحن براء من دمه، وإن يغنم فله نصف الربح، فقال غيلان بن سلمة الثقفي: أنا أمضي بالعير (2).
وهذه الرواية تدل على أن العرب كانوا يذهبون أحياناً إلى بلاد كسرى بتجارتهم، وتدل أيضاً على أن ذلك كان نادراً، ويفهم هذا من كلام أبي سفيان (وليس لنا بمتجر).
على أننا لا نستطيع أن نجزم بأن أهل يثرب كانوا يخرجون مع بقية العرب إلى هذين السوقين أو غيرهما، ولا أستطيع أن أجزم كذلك بأنهم لم ...
__________
(1) سورة قريش.
(2) الأوائل، ص 348.