كتاب يثرب قبل الإسلام

171 ...
يخرجوا إليهما، بل الذي يغلب على الظن، ويستطيع الإنسان أن يقرره هو أن خرجوهم إلى بلاد الشام أقرب إلى تصور العقل من عدمه، ذلك لأن يثرب كانت محطاً للقوافل الذاهبة إلى بلاد الشام، وكانت تلك القوافل تحط رحالها بها، تستريح من عناء السفر عندها، وكانت هذه القوافل تخالط أهل يثرب، وتعيش معهم مدة نزولهم، وكانوا يعاملونهم فيشترون منهم ويبيعون لهم.
نعم، لقد كان أهل يثرب زراعاً وقفوا حياتهم على الأرض يفلحونها، ويستخرجون خيراتها، ومن عادة الزراع أن تربطهم بالأرض روابط أقوى منهم، فهم لهذا لا يستطيعون مغادرتها، ولا استبدال العمل فيها بعمل آخر مهما كان، ولكننا نعرف أنه كان مع أهل يثرب الزراع طوائف أخرى، منهم من كان يحترف الصناعة، ولم يعرف عنهم ق الإشتغال بالزراعة، وهم بنو قينقاع اليهود الذين اشتهروا بصناعة الحلي والسلاح والتجارة.
يقول الأستاذ دروزة: ولا تذكر الروايات أن المسلمين استولوا على أرض ومزارع لهم، أو سمحوا لهم بإقامة وكلاء لهم عليها، كما كان الأمر بالنسبة لبني النضير وبني قريظة على ما سوف يرد بعد، حيث يفيد هذا أنهم كانوا تجاراً وصناعاً فقط (1).
ومن هذه الطوائف من كان يكري أرضه، ويستعمل عليها من يزرعها، ويتفرغ هؤلاء بعد ذلك للتجارة (2) لذلك لم يكن غريباً أن يعمل هؤلاء السكان في التجارة، وبخاصة وهم يهود، والتجارة وسيلة جيدة لتنمية الثروة.
وعلى هذا فإننا أعتقد أن أهل يثرب لم تفتهم هذه الفرصة، وأرجح أنهم لا بد قد ضربوا بسهم عظيم في تلك الأسفار، وأنهم قد تاجروا مع التجار على الأقل في سوق الشام، ولكن خرجاتهم وسفراتهم كانت بالنسبة لتجار قريش قليلة ومحدودة.
...
__________
(1) تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، ص 507.
(2) مكة والمدينة، ص 358.

الصفحة 171