179 ...
لغيرهم، وكانت الغارات المفاجئة والحروب المستمرة من أكبر الدوافع لترويج هذه البضاعة، حيث كان كل فريق يقتني منها أكبر كمية يعتقد أنها كافية لرد غارات الأعداء، وإرهاب الخصم وردعه.
وإلى جانب هذه الأسلحة تفننوا في بناء الحصون والآطام يلجأون إليها إذا دهمهم عدو، أو فاجأهم خصم، وهذه الحصون تعتبر في زمانهم كالتحصينات العسكرية في زماننا، وكانوا يخزنون فيها الماء والقوت والوقود وجميع ما يحتاجون إليه بكميات تكفي لفترة طويلة من الزمان حتى إذا حوصروا، أو اضطروا إلى المكث فيها مدة طويلة كان عندهم ما يغنيهم، فلا يحتاجون إلى شيء من خارج هذه الحصون، ومما يؤيد ذلك حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني النضير خمس عشرة ليلة (1) ولبني قريظة خمساً وعشرين ليلة (2).
وكانوا يشيدون هذه الحصون من الحجارة الصلبة المنحوتة بأشكال هندسية، ويجعلون سمك الجدار فيها متراً أو أكثر، وكانت تقام من طابقين أو ثلاثة طوابق، وقد وصف صاحب كتاب (بين التاريخ والآثار) حصن كعب ابن الأشرف فقال: يقوم على هضبة من الحرة الجنوبية الشرقية للمدينة، وطوله 33 متراً في عرض 33 متراً، وارتفاع ما بقي من جدرانه أربعة أمتار، وسمكها متر وله باب واحد في الجهة الغربية، وثمانية أبراج ضخمة، وبناؤه من حجارة ضخمة ملتصق بعضها ببعض مباشرة، وطول بعض الأحجار 140 سنتيمتراً، وعرضها 80 سم وسمكها 40 سنتيمتراً.
ولا أثر فيه للنقوش، ولا للزخرفة، بناء حربي محصن، وبوسطه رحبة واسعة مربعة تبلغ مساحتها الف متر مربع، وهي غير مرصوفة، ولا مبلطحة، فالصخور الحجرية ناتئة فيها، وبينها انخفاضات وارتفاعات وبجوار الحصن من الداخل عشر غرف مختلفة المقاسات، وأعاليه مهدمة (3).
...
__________
(1) فتوح البلدان، ص 34.
(2) ابن هشام (3/ 235).
(3) بين التاريخ والآثار، ص 70 - 71.