كتاب يثرب قبل الإسلام

18 ...
للتريض، ويذهب إليها المرضى لقضاء فترة النقاهة واستعادة النشاط والقوة (1).
مركز يثرب في الجزيرة العربية:
يستفاد مما ذكرناه عن موقع يثرب ووصفها العام أن لها مركزاً هاماً في الجزيرة العربية فهي من جهة تتصل بالمدن المهمة كمكة وجدة وحائل وبريدة وينبع والوجه، وهذه المدن ذات أهمية كبيرة في الجزيرة العربية إما لمركزها الديني أوالتجاري أو الزراعي، وأن اتصالات يثرب وعلاقاتها بهذه المدن جعل منها مركز التقاء ترد إليه خيراتها الوفيرة سواء المجلوبة إليها من الخارجة، أو الناتجة في نفس البلد.
على أن يثرب لتوسطها الطريق تقريباً بين اليمن والشام جعلها محطة للتجار، يحطون فيها رحالهم، ويستريحون فيها من عناء السفر، وبالتالي فإن جو يثرب الهادئ اللطيف، ومياهها الغزيرة العذبة، ونخيلها الباسق المثمر، وبساتينها الفيحاء النضرة، وفاكهتها الذيذة الحلوة، كل ذلك جعل التجار يفضلونها على غيرها من البلاد التي يجتازونها في طريقهم، فهم يقطعون مسيرتهم عندها للإسترواح وليتزودوا من خيراتها بما يعينهم على وعثاء السفر، وطول الطريق، وبعد المشقة.
كما أن هذا الموقع ليثرب يسر لأهلها سبل التجارة فكانوا يخرجون إلى الشام بما تنتجه بلادهم فيبيعونه هناك، ويشترون من خيرات البلاد الشامية ما يحتاجون إليه في بلادهم.
وكان اليهود - كعادتهم - هم أصحاب اليد الطولى في هذا المضمار، لأن الحروب الطويلة والكثيرة بين الأوس والخزرج وميلهم إلى شن الحروب لأتفه الأسباب شغلهم عن زراعة الأرض وفلاحتها، كما صرفهم عنالإتجار والإشتغال بالتجارة، وتفرغ لذلك اليهود فكانوا هم أهل الزرع والضرع، وقاموا بالأعمال التجارية الهامة.
ولعل حرص اليهود على مركزهم التجاري والزراعي في يثرب هو الذي دفعهم دائماً الى تحريك العداوة والبغضاء بين الأوس والخزرج ليظلوا ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 288.

الصفحة 18