181 ...
والبرد، ثم هم في بيوتهم محتاجون إلى أوانٍ يستعملونها في طهوهم وطعامهم وشرابهم، واثاث يستريحون عليه في جلوسهم ومنامهم، وهذه ضرورات لا يمكن الحياة بدونها مهما كانت بدائية متواضعة، لهذا لم يخل مجتمع قط من جنس هذه الصناعات، ومجتمع يثرب مجتمع متحضر لو قيس بغيره من المجتمعات مالتي كانت تعاصره في جزيرة العرب، من أجل هذا بلغت هذه الصناعات درجة من التقدم في يثرب أكثر مما بلغت في غيرها من المجتمعات المعاصرة.
أما النجارة: فكان في يثرب نجارون على درجة كبيرة من اتقان حرفتهم سواء في نجارة المعمار - الأبواب والنوافذ والسقوف - أم في نجارة الأثاث والآلات، وفي كتب التاريخ روايات تحدثنا عن بني النضير، وكيف كانت أبواب بيوتهم ونوافذها وأسقفها على درجة عالية من فن النجارة، حيث كانت مزخرفة بالنقوش الجميلة، يقول السمهودي:
فاحتملوا أبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتعن فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها (1).
ويذكر الأنصاري عند كلامه على حصن كعب بن الأشرف أنه لما تم الإتفاق على جلاء بني النضير، مع حمل ما يستطيعون حمله من أمتعتهم - غير السلاح - حملوا أخشاب سقوف حصونهم، ونجف أبوابها الجميلة المزخرفة (2).
كذلك كان هناك نجارون مهرة قاموا بتأثيث البيوت، حتى كان أثرياء اليهود يملكون كثيراً من الأثاث لبيوتعم كالأرائك والكراسي والسرر وغير ذلك (3).
وأما البناء: فقد برع فيه صناع كانوا موجودين في يثرب، فكانوا يبنون الدور والقصور والآطام والحصو، ولا زالت بعض هذه الآثار قائمة إلى يومنا ...
__________
(1) وفاء الوفا (1/ 298).
(2) بين التاريخ والآثار، ص 71.
(3) امتاع (1/ 245).