182 ...
هذا في حرار المدينة وضواحيها، وكانوا يهتمون جداً بالآطام، حتى كانت تشمل مخازن السلاح، وخزانات الأموال ومستودعات الغلال والثمار، وكان لا بد من وجود بئر يشربون منه وقت الحاجة، وكانت آطام اليهود تنفرد على بقية الآطام بأنها كانت تضم المعابد، والمدارس حيث يجتمع زعماؤهم للتشاور والبحث ويبرمون العهود والإتفاقات (1).
يقول الأستاذ هيكل: وقد ترك أصحاب هذه المنازل من اليهود والأوس آثاراً في الحرة تدل على حضارة ونظام، تركوا بها آثار مصانع وصهاريج مياه لم يبق منها اليوم إلا أطلالاً دوارس (2) وكان هناك عمال لنحت الحجارة وضرب الطوب وكل ما يستلزمه البناء.
وكانت الحياكة: حرفة تزاولهاالنساء، لأنها سهلة لا تحتاج إلى جهد كبير بقدر ما تحتاج إلى صبر عظيم وبال يقظ، كذلك كان يباشرها بعض الموالي الذين جلبهم أهل يثرب ليقوموا بشؤونهم، والأغلب ألا يباشرها إلا النساء، فكن يأخذن صوف الغنم أو وبر الجمال فيغزلنها ثم يقمن بحياكتها، قميصاً أو دثاراً أو شعاراً أو بردة (3).
وكذلك الأواني المنزلية: فقد كان هناك صناع قاموا بها، وكانوا يصنعونها من الفخار أحيانا ومن النحاس أحياناً، وكان بعض المترفين يتخذونها من الذهب والفضة، يأكلون فيها ويشربون ويستعملونها في مصالحهم وحاجاتهم اليومية، وكان من بين هذه الأدوات المنزلية أدوات الصيد يصنعونها من الحديد كالفخاخ والأشراك أو من الخيوط المتينة كالحبائل والشباك.
ونحن نلاحظ من هذا العرض أن الصناعات في يثرب كانت كثيرة ومتنوعة، وأن تعدد الصناعات فيها وتغطيتها لحاجات الناس المختلفة دليل ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 293.
(2) في منزل الوحي، ص 610.
(3) البخاري شرح ابن حجر (4/ 318) والدثار ما يستدفأ به فوق الشعار، والشعار ما يلي شعر الجسد.