183 ...
واضح على مقدار ما كان يعيش فيه أهل يثرب من رقي وتمدن، وكان يقوم علىهذه الصناعات ويمارسها العرب واليهود والموالي والعبيد الذين جلبوا إلى يثرب وعاشوا مع سادتهم، وكان منهم فريق يستقدم إلى يثرب ليقوم فليها بهذه الصناعات، وهؤلاء لم يكونوا من جنسية واحدة بل كانوا مختلفي البيئة والجنس، فكان منهم الرومي والفارسي، والحبشي والقبطي، ومنهم من كان يعمل لنفسه، ومنهم من كان يعمل لحساب من جلبه واستقدمه.
أثر اليهود في اقتصاد يثرب
مما تقدم نعلم أن الوضع الاقتصادي في يثرب كان في حالة جيدة، وأن السكان كانوا أحسن حالاً من غيرهم، فقد كانت قوافل التجارة تمر بهم متخذة من بلدهم محطاً يستريحون فيه، ويتبادلون التجارة مع أهله كما ثبت أن بعض القوافل كان يخرج من بينهم، فكانت هذه الحركة التجارية التي تمارس في يثرب دافعاً قوياً لتنشيط اقتصادها، وتنمية ثروتها.
على أننا يجب أن نفهم أن وجود اليهود في يثرب كان من أهم عوامل تنشيط الاقتصاد فيها فاليهود قوم يحبون المال حباً جماً ومستعدون للتضحية في سبيل تحصيله بكل غالٍ ونفيس، ولا تستطيع أية قوة أن تحول بينهم وبين جمع المال، وإذا وجدت هذه القوة فإنهم يحاولون التغلب عليها وتذليلها لمصلحتهم حتى يصلوا إلى ما يريدون.
كل هذا جعل اليهود - وهم من سكان يثرب - يحرصون على تنشيط الحركة الاقتصادية بأنواعها المختلفة - زراعية أم تجارية أم صناعية - لأن كل نشاط في يثرب سيعود إلى جيوبهم، وسيملأ عائدة خزائنهم، فقد كانوا هم كما عرفنا يملكون أخصب البقاع الزراعية، وأكبر المساحات منها، كما كانوا هم الصناع الماهرين الذين يجيدون الصياغة والحدادة والتجارة والبناء، وكانت التجارة تحت أيديهم، يجهزون قوافلها، ويرسلونها إلى الأماكن المختلفة لتبيع ما تحمله، وتعود بالربح وفيراً ليستقر في جيوبهم، ومن أجل هذا حاولوا بقدر ما يستطيعون تحسين الوضع الاقتصادي، وتنمية الثروة ...