كتاب يثرب قبل الإسلام

184 ...
القومية، وإذا نشطت الحركة الاقتصادية في مكان ما، فإن ذلك سيعود على جميع السكان، وإن كان بنسب متفاوتة، وذلك ما حدث فعلاً في يثرب.
فقد كان اليهود أكبر قوة اقتصادية في يثرب، ولهذا فإنهم كانوا دائماً يوجهون الحياة حسبما يتفق ومصالحهم المالية، وكما كان وجودهم في يثرب من عوامل النشاط الاقتصادي، فإنه كان كذلك من أسباب الضيق الذي اصاب أكثر السكان، وجعلهم يتخلون عما يملكون من الأراضي الزراعية، واستعملوا في ذلك الأساليب الآتية:
أ - الإحتكار:
فقد كانوا يحتكرون الأصناف التي يحتاج إليها الناس، ويبيعونها لهم بأسعار فوق طاقتهم، وإلى أجل مسمى فإذا حان الأجل، ولم يستطع المدين أن يدفع ما عليه شددوا في الطلب، حتى يضطر إلى أحد أمرين:
إما أن يستدين بالربا ولن يجد من يقرضه غيرهم، فيضاعفون الفائدة حتى تستغرق المال كله، وإما أن يعطيهم أرضه سداداً لما عليه، وكلا الأمرين مؤدٍ في النهاية إلى هذه النتيجة، فتنمو ثروتهم، ويصبح غيره عالة لا يجدون ما يغنيهم ويسد حاجتهم.
ب- الربا:
واليهود استغلوا الربا، وتعاملوا به مع الناس، فضمنوا به ريحاً خالصاً لا خسارة معه، ومن المعلوم أن اليهود يملكون رؤوس أموال كبيرة، وأن العرب يعتبرون بالنسبة لهم فقراء، ومع ذلك لو ترك للعرب حرية التعامل الاقتصادي لعاشوا في بحبوحة.
فإن الحياة يؤمئذٍ كانت بسيطة، ويقوم بمؤونتها القليل من المال، على أن خيرات الأرض في ذلك الحين كانت تكفي القائم عليها وتزيد عن حاجته، ولكن اليهود أمسكوا ما تحت أيديهم عنالناس، حتى كانوا يبيعون لهم الماء (1) فيضيقوا على الناس معاشهم حتى اضطروهم إلى الإقتراض منهم، فكانوا يقرضونهم بالربا، فيدفعون لهم ...
__________
(1) السمهودي (3/ 970).

الصفحة 184