185 ...
القرض، ويحددون لهم الأجل مقابل حصة معلومة تؤخذ شهرياً حتى يسدد الدين، فإذا جاء الأجل ولم يستطع السداد أجله مدة أخرى، ويؤخذ حصته الشهرية، ورأس المال باقٍ على حاله (1).
وهم بذلك يستنفدون جهد الناس، وييتزون كل ما يملكون من أموالهم، فيظلون كذلك يحافظون على رأس المال، ويأخذون الفائدة أضعافاً مضاعفة، وأغلب الظن أن هؤلاء الذين لم يقدروا على السداد في أول أجل هم أعجز منهم عنه في الأجل الثاني، وهكذا وفي النهاية يكون الاستيلاء على ما يملكون، ويبقى العديد يتكفف ولا يجد من يعينه، أو يقوم بقضاء دينه، وتخليص عينه.
جـ- إفساد ذات البين:
وقد لجأ اليهود إلى ذلك، فضربوا عصفورين بحجر واحد، فإن الأوس والخزرج لما اجتمعت كلمتهم استطاعوا أن يتغلبوا على اليهود، وأن يصبحوا أصحاب الكلمة العليا في يثرب، وقد اضطر اليهود أمام تجمعهم، أن يرضوا بالعيش إلى جوارهم وأن يعيشوا معهم حلفاً.
ولم يلبث العرب أن دبت بينهم الخصومات، وعندئذٍ وجد اليهود فرصة بتنفسون فيها، فعملوا على أن تظل الحروب بينهم فيضمنوا بذلك العيش بلا كدر، والحياة من غير اضطراب، حيث أصبح بأس القوم بينهم، وليست أمامهم فرصة ليلتفتوا إلى غيرهم.
وقد رأى اليهود أنه كلما انتصر أحد الفريقين على الآخر أخذ يحرق زرعه، ويقتل ضرعه، فتأكدوا أن أمر العرب صائر إلى خراب، وفي النهاية سيتم بينهم صلح مهما طال الخصام، وحينئذٍ لن يجدوا سبل العيش إلا إذا لجأوا إلى اليهود، يستقرضونهم ليتمكنوا من العيش بعد أن خربت ديارهم، ونفدت أقواتهم، وهنا يفرض اليهود عليهم الشروط التي يريدونها، وهم مضطرون للخضوع لها.
...
__________
(1) الرياض 103 - 104.