186 ...
وقد وقف اليهود من هذا النزاع بين العرب موقف المحايد، ليضمنوا سلامة أموالهم من النهب، وحقولهم من الإحراق فسلمت أموالهم، وأينعت ثمارهم، وأصبحوا سادة الموقف، بعد أن تحطمت قوة العرب، وانهار اتصادهم لكثرة ما أنفقوا في الحرب، ولوفرة ما أهلكوا من الحرب والنسل.
ولولا هذه الحروب المدمرة، ولولا شل حركة الاقتصاد بسبب الربا، لولا احتكار السلع واستغلال حاجة الناس، لولا ذلك كله لأصبحت يثرب أغنى قرى الحجاز، ولأصبحت مركزاً هاماً من مراكز النشاط الاقتصادي، لأن موقعها الجغرافي وظروفها الإقتصادية، بهيئاتها لأن تحوز مركزاً لا يتوفر لغيرها، ولربما لو استقامت فيها الأمور، مولم توجد فيها تلك الظروف لكان لها شأن خطير، ومنزلة عظيمة تتفرق بها على مكة نفسها، وتسيطر على مدن الحجاز كلها (1).
وهكذا نرى أن اليهود قد أثروا في اقتصاد يثرب تأثيراً إيجابياً بتنشيط الحركة الزراعية والتجارية والصناعية وتأثيراً سلبياً بحصر هذا النشاط فيهم ولمصلحتهم، وحرمان جميع السكان -عداهم - من التمتع بنتائج هذا النشاط الواسع الذي لو أتيح لأهل يثرب في ظروف غير هذه الظروف لكانوا أغنى سكان الجزيرة على الإطلاق، ولعاشوا في بحبوحة لم تتيسر لغيرهم من الناس. ....
__________
(1) مكة والمدينة، ص 378 - 379.