كتاب يثرب قبل الإسلام

195 ...
ومجير الغزال، ومجير الظعن، يتعززون بذلك إظهاراً لقوتهم ومروءتهم الإنسانية.
حقوق الجار:
وإذا تم عقد الجوار بأي طريقة مما سبق فإنه يترتب عليه للجار حقوق، وتلزمه به واجبات، فأما حقوق الجار فإنها تتلخص فيما يأتي:
حماية الجار للمستجير ومنعه مما يمنع منه نفسه وأهله وولده وماله، ما بقي من قرابته الأدنين أحد، ويذكر الأصفهاني أن النعمان بن المنذر لما استجار بهانئ بن مسعود الشيباني، أجاره هانئ، وقال له:
(قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع منه نفسي وأهلي وولدي، ما بقي من عشيرتي الأدنين رجل) (1).
وعلى المجير أن يعلن إجارته على الملأ حتى يكونوا على علم بالجوار، فلا يعتدي عليه أحد، ويصبح المستجير في حمى المجير، يتمتع بكافة ما يتمتع به ابن القبيلة الأصلي، ويتحاشى الناس الإساءة إليه رعاية لذمة المجير وحرمته، لأن الاعتداء عليه يصبح اعتداء على المجير نفسه، وعلى القبيلة رعاية لحرمة الجوار أن تطلب بثأر المستجير إذا اعتدي عليه كما تطلب بثار أبنائها تماماً، حتى كانت تقيد من القاتل ولو كان من صرحاء أبنائها، بل كانت تدخل في معركة عنيفة مع غيرها من القبائل حماية لهذا الجوار وحفاظاً على كرامة الجار، وأكبر مثل على ذلك قتل وائل بن ربيعة سيد تغلب وفارسها المعروف (بكليب) لأنه قتل ناقة الجرمي جار البسوس وكانت عمة لجساس بن مرة البكري، فلم يصبر جساس على تلك الإهانة، وقتل كليباً ابن عمه وزوج أخته لاعتدائه على حرمة جاره (2).
وكما كان للجار هذه الحقوق فإن عليه أن يراعي حرمة مجيرة فلا يزعجه بتصرف أرعن، ولا يحرجه بفعل سيء، حتى يقابل الجميل بما هو ...
__________
(1) الأغاني (2/ 126).
(2) ابن الأثير (1/ 314).

الصفحة 195