كتاب يثرب قبل الإسلام

200 ...
أثر الأحلاف في المجتمع العربي:
أثرت هذه الأحلاف تأثيراً كبيراً في المجتمع، فقد كان مجتمعاً ممزقاً لا تلتقي فيه قبيلتان على كلمة، كل قبيلة تعتز بنفسها، ولا ترى اغيرها حقاً في القيام بأي عمل ينهض بالمجتمع، ويسهم في بنائه، وكان هذا الإعزاز بالنفس، واعتقاد أن القبائل الأخرى لا أثر لها في واقع الحياة سبباً في تفريق الكلمة، وتشتيت الشمل، ولم تكن فكرة المجتمع الموحد تخطر لهم ببال.
فلما شاعت فكرة الأحلاف، واعتقد الناس أن في الاجتماع خيراً يعود عليهم وعلى غيرهم، كان هذا مبدأ وعي جديد وإحساساً بالواجب الذي تمليه المصلحة، فإن القبيلة الضعيفة في هذا المجتمع لم تعد ضعيفة تلتهمها بقية القبائل بل أصبحت قوية بحلفها، عزيزة بحلفائها، تمارس حق الحياة وهي آمنة كما تمارسه كل قبيلة.
ولم يكد هذا الوعي يستقر في نفوس الناس حتى أسرعت القبائل يحالف بعضها بعضاً، وكانت هذه الأحلاف أشبه بالمعاهدات السياسية في الوقت الحاضر (1) واندمجت القبائل الضعيفة في القبائل القوية اندماجاً أنسى القبائل المتحالفة مع مرور الزمن أسماءها وشخصياتها، وأصبحت كلها تنضوي تحت اسم واحد هو اسم القبيلة القوية في الحلف (2).
كانت الأحلاف إذن نقطة تحول في المجتمع العربي، وبداية نهضة قامت على أساس التعاون والتناصر بين افراده، ومحوراً ترتكز عليه الوحدة الشاملة التي تضم هذه القبائل المتناحرة، وتجمعها في صعيد واحد، لتحمل رسالة السماء إلى الأرض، وتنادي بوحدة عالمية مدعمة بالمحبة والإخاء.
جـ- العتق:
درجة الولاء بالعتق تلي درجة الحلف، فهي إذاً أقوى من درجة الجوار، ذلك لأن الجوار مؤقت كما بينت آنفاً والعتق صفة أسبغها المعتق ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 45.
(2) فجر الإسلام، ص 4.

الصفحة 200