كتاب يثرب قبل الإسلام
201 ...
على من أعتقه، وهي لازمة لا تنفك، ويظل الولاء بها قائماً ما دام العتيق موجوداً، وقد بلغ من عمق هذا الولاء أن المعتق كان يرث من يعتقه إذا لم يكن له وارث، والفرق بينه وبين الحلف، أن كل حليف كان يرث حليفه، أما العتق فالإرث كان في جهة واحدة، وهو المعتق فقط.
وبالعتق يصبح العبد حراً، وله كل حقوق الحر، وعليه كل واجباته، ومع ذلك فإن الصلة لا تنقطع بينه وبين من أعتقه بل تظل بينهما رابطة هي التي يُعبرَ ُعنها بالولاء وهذه الصلة نتيجة طبيعية للحرية التي حصل عليها العبد، فإنه لولا عتق سيده له، لظل يرزح تحت أعباء الرق الذي أصابه، فشكراً منه لهذه النعمة التي أنعم بها عليه سيده، أن يبقى على ولائه له ويتسبب إليه فيقال، فلان مولى فلان، أو فلانة مولاة فلان، وقد بلغ هذا الولاء والانتساب حد التبني، حتى كانوا يقولون: فلان ابن فلان.
وظل الأمر كذلك بينهم حتى حرمه الإسلام كما قلت قبل، فقد كانوا يقولون: زيد بن محمد، فنزل النهي عن ذلك بقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) (1).
أسباب الرق والعتق:
وهناك أسباب كان العرب يحصلون على العبد عن طريقها، فقد كانوا يغيرون على بعضهم، فيسبون النساء والذراري والرجال والأموال على حد سواء، وكانوا يسترقون النساء والرجال والذراري، ويستمعون بالمال.
وقد يكون ذلك نتيجة لمعركة تدور بين قبيلتين أو أكثر، ويأخذ كل فريق مع يقع تحت يده من الأسرى فيجعلهم عبيداً في خدمته، وقد يحصل ذلك عن طريق الشراء، حيث كانت تقام الأسواق لبيع الرقيق (2).
وهؤلاء الأرقاء يعتبرون ملكاً للسيد يتصرف فيهم كما يشاء بالبيع والهبة أوالعتق، وإن كانت أمة جاز له أن يستمتع بها ويستولدها، وكان السادة أحرص ...
__________
(1) الأحزاب: 40.
(2) فجر الإسلام: ص 88.
الصفحة 201
224