كتاب يثرب قبل الإسلام

205 ...
فالعربي لا يرى لهذا العبد حقاً ولو كان ابنه، ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن رابطة الدم هي التي تستوجب الحقوق، أما الذين لا صلة بينهم وبينهم بهذهالرابطة فلا حق لهم في الحياة ورغم سلب كل الحقوق من هذه الطبقة فقد كلفوهم بواجبات أثلت عواتقهم، وأهدرت كرامتهم وسلبتهم إنسانيتهم وسدت في وجوههم أبواب الحياة التي هي حق لكل كائن.
فليس لهذه الطبقة حق التملك وإن استطاعته، ولا حق المقاضاة وإن كانت مظلومة، لأنها لا حق لها في الشعور بالظلم، ولا حق ممارسة الأحوال الشخصية إذ ليست لهم الشخصية التي يمارسون حقوقها، فكان العبد لا يستطيع أن يتزوج إلا إذا وافق سيده على الزواج ويشرط أن تكون الزوجة من الرقيق، وقد لا يوافق السيد، فيظل محروماً منحقه الطبيعي في الزواج، وقد تكون أمة فيجبرها سيدها على الزواج بمن لا رغبة لها فيه، أو يكرهها على البغاء ليستولي على ما تكسبه بفرجها (1).
وقد كانت هذه الطبقة تقوم بالخدمات العامة والمهن التي كانت العرب تأنف منها، وتأبى أن تمارسها كالخدمة في المنازل واحتراف الحدادة والحلاقة والحجامة والتجارة، وغيرهما من الحرف التي كان العربي الصميم يعتبر احترافها إهانة وذلاً.
العلاقات بين السكان
يتكون المجتمع في يثرب من العرب واليهود ومواليهم، فالمجتمع فيها محجمع طبقي كما سبق توضيحه، وبناءً على هذا التقسيم قامت العلاقات بين السكان، وأصبحت هذه العلاقات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف العشرة والمجاورة الحاصلة بينهم.
فالعلاقات بين العرب واليهود كانت في بداية أمرها حسنة ومطمئنة، حتى إذا بدأ اليهود يشعرون بأن العرب أصبحوا قوة، وأصبحوا يشاركونهم ...
__________
(1) فتح القدير (4/ 30).

الصفحة 205