كتاب يثرب قبل الإسلام

206 ...
خيرات البلاد، وثمرات أرضها تجهموا لهم، وبادروهم بالعداء (1) وقابل العرب ذلك بالتسليم والسكوت حتى إذا زاد اليهود من سوء معاملاتهم استعان العرب بأبناء عمومتهم الغساسنة، وأنزلوا باليهود هزيمة منكرة، عاش اليهود بعدها حلفاء للعرب ورضوا بجوارهم صاغرين.
ولكننا نلاحظ أنهذا الحلف وذلك الجوار لم يتحققا بالمعنى الذي شرحناه آنفاً، لأن اليهود كانوا يكنون في نفوسهم عكس ما يعلنون بألسنتهم، ويخفون في قلوبهم ضد ما يظهرون بجوارهم، فكانوا دائماً يتربصون الدوائر بالعرب، ويتحيونون الفرص للوقيعة بهم.
وأحسن العرب منهم ذلك فبادلوهم شراً بشر، وتربصاً بتربص، وأصبحت العلاقات بينهما قائمة على أساس التنافس بين الفريقين على السلطة، وعلى خيرات البلاد وثرواتها، وإذا كان هذا هو أساس العلاقات بين الناس، فإنها ستظل متوترة لا تهدأ، وسيظل الناس في تربص وحذر، وهذا هو ما كان بين سكان يثرب.
لم يستطع كل فريق أن يحافظ على وحدته الاجتماعية رغم العداء والبغضاء، فقد دبت الخصومة بين العرب، كما أوهنت من قبل قوى اليهود، ولم تستطع رابطة الدم أن تجمع شمل المتخاصمين، كما لم تستطع القرابة القريبة أن تحول بين نشوب الحرب وسفك الدماء وإنما كانت تجمع كل فريق من الفريقين عصبية قبيلته، وخوف من انتهاز الآخر لفرص الخصام والإنقضاض على عدوه.
ولم تصل حالة التوتر بين اليهود إلى حد الحرب إلا في حالات نادرة جداً عندما كان يحالف بعضهم الخزرج، ويحالف بعضهم الآخر الأوس، أما بين العرب فقد نشبت الحروب وسفكت الدماء، وأحرق الزرع وأهلك الضرع، واستمرت الحرب بينهم مائة وعشرين عاماً (2). أكلت فيها الأخضر واليابس، وقضت على الزعماء والقادة، حتى أحس المتنازعون بحاجتهم ...
__________
(1) فجر الإسلام: ص 24.
(2) السمهودي: (1/ 215).

الصفحة 206