كتاب يثرب قبل الإسلام

207 ...
الماسة إلى أمن يمسك عليهم حياتهم، وهدوء تتوفر فيه راحتهم وطمأنينتهم.
إن عوامل الأمن والهدوء في المجتمع لا تتوفر إلا إذا سادت المحبة أفراد هذا المجتمع، والعلاقات الحسنة لا توجد إلا إذا كانت الأخوة قائمة بين أبنائه وذلك ما لم يتحقق في يثرب ولهذا ظلت العلاقات بين السكان مصنعوة بلون الدم، تفوح منها رائحة العداوة والبغضاء.
إن أقل ما يجب أن يتوفر من مقومات المجتمع هو الأمن الذي يعيش السكان في ظله مطمئنين على أرواحهم وأموالهم وحتى هذا لم يتوفر في يثرب، فعاش الناس في خوف وفزع، يخيم عليهم شبح الحرب، وتسيطر عليهم القطيعة، حتى جاء الإسلام فجمع شملهم، ووحد كلمتهم، ونشر الأمن، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ولم يشذ إلا اليهود، فكتب الله عليهمالجلاء فخرجوا منها صاغرين.
الحركة العلمية
لم يكن هناك حركة علمية منظمة بالمعنى الذي عرف بعد، وإن وجدت هناك فرص أمكن بعض الناس الاستفادة منها على أن هذه الفرص لم تكن عامة، يمكن لكل فرد أن يأخذ حظه منها، ولكنها كانت مقصورة على الذين تهيأت لهم ظروف الإستفادة.
كانت هناك مدارس يهودية يتعلم فيها أبناء اليهود، ويتدارسون أمور دينهم، وكان يتولى التدريس فيها الربيون والأحبار ولم يكتفِ اليهود بتعليم أبنائهم، بل حاولوا نشر تعاليم التوراة وما جاء فيها: من تاريخ خلق الدنيا، ومن بعث وحساب وميزان، ونشروا تفاسير المفسرين للتوراة، وما أحاط بها من أساطير وخرافات، وكذلك كان لليهود أثر كبير في اللغة العربية، فقد أدخلوا عليها كلمات كثيرة لم يكن يعرفها العرب، ومصطلحات دينية لم يكن لهم بها علم، مثل: جهنم والشيطان وإبليس ونحو ذلك (1).
يقول الأستاذ الشريف، وقد كان لهم في المدينة كيان طائفي وديني ...
__________
(1) فجر الإسلام، ص 24 - 25.

الصفحة 207