كتاب يثرب قبل الإسلام
208 ...
وكان لهم معابد ومدارس وأحبار وربانيون، ويقول: وفد نشر اليهود عن أنفسهم - على ما يظهر - علماً واسعاً في الأديان والشرائع وأخبار الأمم وسنن الكون، وكانوا يزهون على العرب بهذا وبالدين السماوي (1).
ويروي الطبري عن الشعبي عن عمر بن الخطاب قال: كنت أشهد اليهود يوم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق لتوراة (2).
من هذا نعلم أن اليهود كان لهم أثر كبير في الحركة العلمية في يثرب بنشر تعاليم دينهم، والعلوم التي كانوا يعرفونها، وأنهم بنشر هذه الثقافة قد رفعوا من شأن المجتمع ثقافياً ودينياً.
وكان للنصارى كذلك مبشرون ورهبان يردون أسواق العرب ويعظون ويبشرون، ويذكرون البعث والحساب والجنة والنار (3) وقد أجهد النصارى أنفسهم في نشر تعاليم دينهم بين العرب كما فعلت اليهودية، وكأنهما كانا يتنافسان للحصول على ذلك الحق البكر وقد تأثر كثير من العرب بالديانة النصرانية فلبسوا المسوح، وبنوا الأديرة، كما تأثروا بثقافتها وتعاليمها فبدت في شعرهم وخطبهم وإننا لنلمح ذلك في خطبة قس بن ساعدة: أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتهم فانتفعوا، إنه منعاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساجٍ وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة.
إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون؟ ارضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا هناك فناموا؟ يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه أن لله ديناً هو راضٍ له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه أنكم لتأتون من المر منكراً، ثم أنشأ.
في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 303.
(2) الطبري، (2/ 382).
(3) فجر الإسلام، ص 27.
الصفحة 208
224