كتاب يثرب قبل الإسلام

209 ...
لما رأيت مواردا للموت ... ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إليّ ... ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر (1)
وإننا لنرى في الخطبة إثبات وجود الله عن طريق الأدلة العقلية، ثم إيماناً عميقاً باليوم الآخر، وتحريكاً لوجدان القوم أن يتأملوا مصيرهم المحتوم تلك الثقافة لم يكن للعرب بها عهد لولا الثقافة التي حملها القسس والرهبان إلى العرب.
وقد تأثر بهذه الثقافة النصرانية في يثرب أبو قيس معرمة بن أبي أنس من بني النجار، وابو عامر عبد عمرو بن سيفي المشهور بالراهب والذي سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الإسلام بالفاسق (2).
وكما كان لليهود والنصارى أثر في الحركة العلمية، كان للتجار العرب الذين كانوا يذهبون بالقوافل إلى بلاد الشام ويظلون بها حتى يبيعوا بضائعهم، وسواء كانت تلك القوافل من يثرب أو من مكة فإنها كانت تحط رحالها في يثرب وتقيهم فيها فترة للراحة تنقل فيها الثقافة التي حملتها من بلاد الشام إلى أهل يثرب الذين يخالطوهم، كما تنقل لهم خيرات الشام وبضائعها، إذ ليس من المعقول أن يذهب هؤلاء التجار إلى تلك البلاد، ويعاشروا أهلها، ثم لا يتأثرون بثقافتهم وعلمهم ونظمهم (3).
على أن الحركة العلمية لم تأخذ صيغة عامة كما قلت من قبل بل كانت في طائفة محصورة، حتى يذكر البلاذري أن الذين كانوا يقرأون ويكتبون من الأنصار لما دخل الإسلام المدينة أحد عشر رجلاً وأن الذي كان يجمع الرمي والعوم مع الكتابة يسمى الكامل (4).
...
__________
(1) الأوائل: ص 52 - 53.
(2) مختصر سيرة الرسول: ص 50 - 51.
(3) فجر الإسلام: ص 15.
(4) فتوح البلدان: ص 459.

الصفحة 209